فضله على من يختاره من عباده، فرجعوا متلبّسين بغضب من الله جديد، لكفرهم بهذا النّبي، بعد كفرهم بموسى عليه السلام، وبمن جاء بعده من الأنبياء، وللكافرين جميعا عذاب فيه إهانة وإذلال في الدنيا والآخرة.
وإذا
قال النّبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه ليهود المدينة: آمنوا بالقرآن الذي أنزله الله، قالوا:
إنما نؤمن بالذي أنزل علينا في التوراة، ونكفر بما سواه،
وهو القرآن الذي جاء مصدقا لها، وهو الحق الذي لا شك فيه، فيرد الله عليهم: إن القرآن مصدق للتوراة، وكلاهما من عند الله، فكيف تكفرون ببعض الكتاب وتؤمنون ببعض؟ بل إنكم لم تؤمنوا بالتوراة التي فيها تحريم القتل، وقد قتلتم الأنبياء بغير حق، فلم قتلتموهم إن كنتم بالتوراة مؤمنين؟!
عبادة العجل عند اليهود وحبّ الحياة وعداوة الملائكة والرّسل
تمكّن الكفر والطغيان، والمادية الطاغية، وحبّ الحياة، وعداوة جبريل والملائكة والرّسل من قلوب اليهود، فهم أعداء الدين الإلهي كله، وأعداء الرّسل جميعا، وأحرص الناس على الحياة الدنيوية، وتراهم لا يهمهم إلا أهواؤهم وعنصريتهم ومزاعمهم أنهم أولياء الله ومحبوبوه، والناجون في الآخرة، وأنهم الشعب المختار لله تعالى، فكذب الله جميع ادّعاءاتهم، بل إنهم وقعوا في الوثنية والشرك، وعبدوا العجل، كما تقرر الآيات التالية:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٢ الى ٩٨]
وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٩٢) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣) قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨)
«١»