أفضل كباشه فقرّبه، وكانت العادة أن يقرّب المقرّب قربانه، ويقوم يصلي ويسجد، فإذا نزلت نار وأكلت القربان، فذلك دليل القبول. فنزلت النار، فالتهمت كبش هابيل ورفعته وسترته عن العيون، وتركت زرع قابيل، فحقد قابيل على أخيه هابيل، وهدّده بالقتل، فقال هابيل: وما ذنبي في أن الله لم يتقبّل منك، فأصلح نفسك، فإنما يتقبّل الله من المتّقين أعمالهم.
يا أخي، لئن مددت إلي يدك بسوء لتقتلني ظلما وعدوانا، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك أبدا لأني أخاف الله ربّ العالمين، الذي ربّانا وتعهّدنا بالعناية والرّعاية، فمن يقتل الآخر أو يعتدي عليه، استحقّ العذاب الشديد.
يا أخي، لا أريد مقابلة الجريمة بمثلها، فإنك إن قتلتني وابتعدت عن معاملتك بالمثل، أريد أن تتحمل إثمي بقتلي، وإثمك قبل الاعتداء علي، فتكون من أهل النار، وذلك جزاء الظالمين أنفسهم المعتدين على غيرهم، أي أنه حذّره من القتل بثلاث مواعظ: الخوف من الله، وتحمل الإثمين: إثم القتل وإثم نفسه، وكونه من الظالمين أصحاب النار.
فحسّنت وسوّلت له نفسه قتل أخيه، فقتله، فأصبح من الخاسرين أنفسهم في الدنيا والآخرة بسبب جريمة القتل هذه.
ثم حار القاتل قابيل وضاقت به الدنيا، ولم يدر كيف يفعل بجثة أخيه، فبعث الله غرابا حيّا إلى غراب ميت، فجعل يبحث ويحفر في الأرض حفرة، ويلقي التراب على الغراب الميت، ليعلّمه كيف يواري عورة أخيه أي جثّته، فقال: يا فضيحتي- وهذا اعتراف منه باستحقاق العذاب- أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟! فأواري جثّة أخي، فأصبح نادما على ما فعل، لكنه لم تقبل توبته لأنه لم يندم ولم يتب من المعصية، وإنما كان ندمه على قتل أخيه لأنه لم ينتفع بقتله، وسخط عليه أبواه