أوضحت هذه الآيات الكريمة أسباب انحراف غير المؤمنين عن الإيمان الحق وحصرتها في خمسة أسباب: وهي عبادة غير الله تعالى، والغلو في الدين بغير حق، وعصيان الأوامر الإلهية، والسكوت عن المنكر أو الضلال والرّضا به، وموالاة غير المؤمنين بالله ورسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم.
أما سبب الانحراف الأول وهو الأهم: فهو عبادة غير الله الذي لا يقدر على دفع ضرّ، ولا جلب نفع لأوليائه العابدين له، ولغير العابدين على السواء، فلم تستطع الأصنام والأوثان نفع المشركين ولا إضرارهم، ولم يستطع عيسى عليه السّلام إصابة أعدائه اليهود بضرّ، مع أنهم حاولوا قتله وصلبه، ولم يتمكّن عيسى أيضا من تقديم نفع لأتباعه وأنصاره، سواء في الدنيا أو في الآخرة، بالرغم مما تعرّضوا له من تعذيب وطرد. والله وحده هو السميع لكل صوت أو همسة، العليم بكل شيء، فهو الذي يستحق العبادة وحده دون سواه.
والسبب الثاني للانحراف والفساد هو المغالاة في الدين وتجاوز الحدود في وصف عيسى، واتّباع أهواء قوم وآرائهم الواهية من غير حجة ولا برهان، أولئك القوم المتّبعون الذين ضلّوا من قبل، وأضلّوا كثيرا من الناس، وضلّوا عن السّبيل الوسط، والرأي المعتدل.
وسبب الانحراف الثالث: هو عصيان أوامر الله واعتداؤهم على خلقه، وتماديهم في العصيان والمخالفة، فاستحقّوا اللعن، أي الطرد من رحمة الله، وما على من جاء بعدهم من الأجيال إلا الحذر من المعاصي والمنكرات، والحرص على الاستقامة على أوامر الله وترك منهياته ومخالفاته.
وسبب الانحراف الرابع: هو الرّضا بالجريمة والسكوت عن المنكر لأن الساكت راض عن الفعل، وهو شيطان أخرس، ولذا كان من أهم حصون الدين الحفاظ على


الصفحة التالية
Icon