كما قال تعالى في آية أخرى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) [البقرة: ٢/ ١٧٢]. والرّزق: ما صح الانتفاع به.
ولا تتجاوزوا حدود ما أحلّ الله لكم إلى ما حرّم عليكم من الخبائث، ومن الإسراف والتقتير، وكلا الأمرين اعتداء، وهما تجاوز الحلال الطيب إلى الحرام الخبيث، والإسراف في تناول المباح، كما قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: ٧/ ٣١].
والتزام الوسط في الإنفاق دون إسراف ولا تقتير، ولا نهم مادي ولا ترفّع عن المادّيات والانشغال بالرّوحانيات هو الذي يحقق مبدأ وسطية الإسلام واعتداله.
وسبب النّهي عن تجاوز الحدود الشرعية: أن الله يبغض كل أولئك الذين يتعدون حدود الله، وأن من تجاوز الحدّ الشرعي، هان عليه اقتراف جميع المنكرات والوقوع في المعاصي والسّيئات، فمن سرق مثلا تجرّأ على القتل والفتك والإرهاب ونشر الرعب في كل مكان، وسهل عليه ارتكاب جميع المحرّمات. ولذا حصّن الشّرع سلوك المسلم وصانه من الانحراف بقوله تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطّلاق: ٦٥/ ١]. وقوله سبحانه: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤) [النّساء: ٤/ ١٤].
ثم وضع لنا القرآن الكريم قانون الانتفاع بالأشياء والأمور المعاشية المعتادة فقال:
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ أي تناولوا الحلال الذي لا إثم فيه كالرّبا والرّشوة وأكل مال الآخرين بالباطل، فإنه إثم وفسوق، وكلوا الطيب غير المستقذر في نفسه كالميتة والدم، أو الطارئ كالفاسد المتغير بطول المدة، أو المذبوح لغير الله من الأصنام والأوثان. واتّقوا الله بالتزام أوامره واجتناب نواهيه في الأكل واللباس والنساء وغيرها، فلا تحرّموا ما أحلّ الله