وسبب ذلك الإعراض عن النظر في آيات الله: تكذيبهم بالحقّ الذي جاءهم، وهو دين الإسلام والقرآن ومحمد عليه الصّلاة والسّلام.
إنهم لم ينظروا في الوجود نظرة تأمّل وتفكّر واعتبار، ولم يحرّروا أنفسهم من رقّ التقليد الأعمى للآباء والأجداد، ولم يترفعوا عن سيطرة العصبية وحماقة الجاهلية، فهم إذا جاءتهم رسالة التجديد والحياة الأفضل أعرضوا وقالوا: سحر مستمر، قال تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) [الأعراف:
٧/ ١٣٢].
والإعراض عن الحق، والجمود على الباطل، استدعى تهديد هؤلاء الكفار على تكذيبهم بالحقّ، فلا بدّ من أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب، وسيجدون عاقبة أمرهم واستهزائهم بالإسلام والقرآن، فإنهم سيتعرضون في الدنيا للقتل والدمار بمختلف الأسباب، وفي الآخرة يجدون العذاب في نار جهنم يطوّق أعناقهم ويلازمهم إلى الأبد، قال تعالى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [النّحل: ١٦/ ٣٤].
ثم أبان الله تعالى أن الوعيد بالعذاب سنّة الله في المكذّبين، ألم يروا في قلوبهم وينظروا في عقولهم أن الله أهلك كثيرا من الأمم السابقة قبلهم، مثل قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط الذين كذّبوا رسلهم، بالرغم مما كانوا يتمتعون به من أسباب القوة والسّعة في الرزق، والاستقلال والملك، ما لم نعطهم مثله، وما لم نمكّن لهم شبيها به.
لقد كان قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط في سعة كبيرة من العيش، وشدة في السلطان، وقوة في الحياة، وسّع الله عليهم الرزق، وأرسل عليهم الأمطار الغزيرة، وجعل الأنهار تجري من تحت بيوتهم ووسط مزارعهم، فلما كفروا بأنعم