ممن افترى (أي اختلق) على الله كذبا، أو كذب بعلامات الصدق ومعجزات النّبي ونحو ذلك، ثم قرّر الله تعالى قرارا حاسما وهو أنه لا يفلح الظالمون أبدا، أي لا يبلغون الأمل ولا ينجحون في مخططاتهم في الدنيا والآخرة. والآية تدلّ على أن المشركين جمعوا بين الكذب على الله، والتكذيب بآيات الله الدّالة على التوحيد وعلى إثبات رسالة النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وزيادة في الإيلام والتأنيب والتّبكيت يسأل المشركون يوم القيامة والحشر سؤال تقريع وتوبيخ: أين شركاؤكم من الأصنام والأوثان الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لله، وتدعونهم كما تدعون الله؟ والزّعم: القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر كلامهم.
ثم لم تكن فتنتهم، أي لم تكن حجتهم أو قولهم عند اختبار الله إياهم اعتذارا عما سلف منهم من الشّرك بالله إلا أن أقسموا بالله يوم القيامة: ما كنا مشركين، أي لم نكن مقرّين بالشّرك ولا معتزين به ولا بدين الآباء والأجداد.
وذلك موقف لهم في غاية التّخاذل والخزي والحيرة، وتأمل أيها الإنسان وتعجب من تناقضهم، فتارة يصدقون وتارة يكذبون، وإنكارهم الشّرك يوم القيامة كذب صريح، فانظر كيف كذبوا على أنفسهم، بعد الاعتداد بدين الشّرك والوثنية، وتعجب كيف ضلّ عنهم أي غاب عنهم ما كانوا يفترونه من الإشراك، حتى إنهم بادروا إلى نفي حدوث الشّرك في الدنيا، مع أنهم كانوا أساطين الشّرك، وذلك مثل قوله تعالى في آية أخرى: ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً.. [غافر: ٤٠/ ٧٣- ٧٤].
إن هذا الموقف المتناقض من المشركين يتّسم بالكذب والخزي والعار، ولكن بعد فوات الأوان وضياع الفرصة، فإن دار الدنيا هي دار التكليف بالإيمان والفرائض،