وكان من سوء أدب خطاب اليهود مع النّبي صلّى الله عليه وسلم كما تقدم أنهم يقولون له:
(راعنا) اسم فاعل من الرّعونة، وكان ذلك سبّا قبيحا عند اليهود، فقالوا: إنا كنّا نسبّ محمدا سرّا، والآن نعلن سبّه، فكانوا يأتون نبي الله صلّى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد راعنا، ويضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار، وهو سعد بن معاذ، وكان عارفا بلغة اليهود، وقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه، فقالوا: ألستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) [البقرة: ٢/ ١٠٤].
وكان المسلمون إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم، قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه، ولوددنا لو كان خيرا، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم:
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥) [البقرة: ٢/ ١٠٥].
الادّعاءات الفارغة والافتراءات الكاذبة
الألوهية والربوبية صفتان تقتضيان الكمال المطلق والتّفرد الذاتي والقدرة الشاملة على كل شيء من الخلق والإبداع، والرزق والإنعام، والدقة المتناهية والإحكام، وذلك لا يعقل أن يتصف به بشر من جنس الناس لأنه عاجز مثلهم، وقاصر غير قادر، وناقص غير كامل، وإنما الذي يحق أن يوصف بهذه الصفات الفريدة هو الله جلّ جلاله الذي خلق فسوّى، وقدّر فهدى، وله جميع ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، وتخضع لهيمنته وسلطانه كل شيء، أبدع السماء والأرض


الصفحة التالية
Icon