والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي، فمكث تسعة أيام أو سبعة أيام، لا يذوق فيها طعاما حتى خرّ مغشيا عليه. ثم تاب الله عليه.
وقال عطاء عن جابر بن عبد الله- فيما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ-: سبب نزول الآية: أن رجلا من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بن حرب بخبر من أخبار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت الآية. وعلى أي حال فإن الآية نزلت في خيانة بعض الخائنين.
ومعناها: يا أيها الذين أظهروا الإيمان، أو يا أيها المصدقون بالله ورسوله وقرآنه، لا تخونوا الله بتعطيل فرائضه وإهمال أوامره في السر، وتعدي حدوده ومحارمه، ولا تخونوا الرسول بتجاوز أوامره ومخالفة نواهيه، وتضييع ما استحفظ لديكم من أسرار، ولا تخونوا أماناتكم التي تؤتمنون عليها، بأن لا تحفظوها، وذلك يشمل الودائع المالية والأسرار العامة والخاصة بفرد من الأفراد. والأمانة تشمل كل ما يؤتمن الإنسان عليه من دينه وعبادته وحقوق الآخرين، فكل من أخل بواجبه فقد خان الأمانة، فلا تخونوا أيها المؤمنون أمانات غيركم، سواء كانت معاملات مالية، أو شؤونا أدبية أو سياسية أو عهدا من العهود، أو مصلحة وطنية، والحال أنكم تعلمون خطر الخيانة وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة.
ولما كان سبب الإقدام على الخيانة هو حب المال والنفس والولد، نبّه الله تعالى على أنه يجب الاحتراز عن مضار ذلك الحب، فقال تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
أي إن الأموال والأولاد محنة من الله وابتلاء، أي اختبار من ربكم، ليرى كيف العمل في جميع ذلك، ويقيم الدليل عليكم مع علمه تعالى بما يصدر منكم سلفا، فاحذروا التفريط في حدود الله وشرائعه، واعلموا أن ثواب الله وعطاءه الجزيل وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم