والجهاد، ثم بيّن تعالى عدم تساوي الفريقين بقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يهدي القوم الكافرين في أعمالهم إلى ما هو الأفضل والأرقى رتبة، إذ قد طمس على قلوبهم، والآية إنكار صريح على تشبيه المشركين وأعمالهم المحبطة بالمؤمنين وأعمالهم المثبتة، وأن يسوى بينهم، وجعل تسويتهم ظلما، بعد ظلمهم بالكفر.
فالإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس أفضل وأعظم درجة عند الله من أعمال السقاية والسدانة أو العمارة.
ثم بيّن الله مراتب التفاضل بين المؤمنين أنفسهم، فإنها تتفاوت بحسب التفاوت في الإيمان، والهجرة، والجهاد بالمال والنفس، وحكم الله أن أهل هذه الخصال أعظم درجة عند الله من جميع الخلق، ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه، والفوز: بلوغ البغية، إما في نيل رغبة، أو نجاة من مهلكة.
وهذا الفوز: هو أنه تعالى يبشرهم في كتابه المنزل على رسوله برحمة واسعة، ورضوان كامل، وجنات لهم فيها نعيم دائم، وهم في هذا النعيم خالدون على الدوام إلى ما شاء الله تعالى.
وإن الله عنده الثواب العظيم على الإيمان والعمل الصالح ومنه الهجرة، والجهاد في سبيل الله ومن أجل مرضاته، كما جاء في آية أخرى:
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢) [التوبة: ٩/ ٧٢]. والرضوان: نهاية الإحسان، وهو شيء روحي، والنعيم في الجنة شيء مادي، فهو لين العيش ورغده.
والصحب الكرام سلف هذه الأمة هم أصحاب هذه الخصال، فعلى سيوفهم انبنى الإسلام، وهم ردوا الناس إلى الشرع، وأشادوا صرح الأمة ورفعوا عزة مجدها، لذا
قال النبي صلّى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه: