ثم رغب الله المؤمنين في الجهاد مرة ثانية، وحثهم على مناصرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، مشيرا لنجاح الهجرة، فقال تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ.. أي إن لم تنصروا رسول الله، أو تركتم نصره ومؤازرته، فالله متكفل به، إذ قد نصره في موضع القلّة والانفراد وكثرة العدو، فنصره إياه اليوم يوم الهجرة أحرى منه حينئذ، وذلك حين أخرجه المشركون الكافرون من مكة إلى المدينة، وفعلوا من الأفاعيل ما أدى إلى خروجه وفي صحبته أبو بكر رضي الله عنه. إنهما في الطريق إلى المدينة دخلا في غار ثور ومكثا فيه مدة ثلاثة أيام، ليرجع الطلب- الباحثون عنه- إلى ديارهم، ثم يسيروا بعدها إلى المدينة، ففزع أبو بكر على النبي صلّى الله عليه وسلّم لما رأى المشركين حانقين متجمهرين، حال كون النبي أحد اثنين، فقال لصاحبه أبي بكر: لا تخف ولا تحزن، إن الله معنا، يؤيدنا بنصره وعونه وحفظه ولطفه.
فأنزل الله طمأنينته وتأييده على رسوله، أو على أبي بكر، قيل: إن الضمير في عَلَيْهِ عائد على أبي بكر: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يزل ساكن النفس ثقة بالله عز وجل.
وهذا قول من لم ير السكينة إلا سكينة النفس والجأش، وقال الجمهور: الضمير عائد على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أقوى، والمراد بالسكينة: ما ينزل الله على أنبيائه من الصيانة (أو الحياطة) لهم، والخصائص التي لا تصلح إلا لهم، والنصرة والفتوح عليهم.
وقد أيد الله نبيه وقواه وآزره أثناء الهجرة بالملائكة، وجعل كلمة الشرك والكفر هي السفلى، أي المغلوبة، وكلمة الله التي هي لا إله إلا الله أو الشرع بأسره هي العليا الغالبة، والله عزيز غالب في انتقامه وانتصاره، منيع الجناب، حكيم في أقواله وأفعاله.


الصفحة التالية
Icon