نزلت: أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ أي لقوله: أعينك بمالي. فهذه الآية نزلة في الجدّ بن قيس حين تخلف عن غزوة تبوك وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هذا مالي أعينك به، فاتركني.
والمعنى: قل أيها النبي للمنافقين: مهما أنفقتم من نفقة في سبيل الله ووجوه البر طائعين أو مكرهين، لن يتقبل منكم، لأنكم كفرتم بالله ورسوله، وما زلتم في شك مما جاء به الرسول من الدين والجزاء على الأعمال في الآخرة، ولأنكم قوم فاسقون، أي عتاة متمردون خارجون عن الإيمان، والأعمال إنما تصح بالإيمان وإِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: ٥/ ٢٧].
وما منع قبول نفقات المنافقين إلا مجموع هذه الأمور الثلاثة: وهي الكفر بالله ورسوله، وعدم الإتيان بالصلاة إلا في حال الكسل، والإنفاق على سبيل الكراهية والبغض. فالمنافقون كفروا بالله ورسوله وبما جاء به بالفعل، والأعمال إنما تصح بالإيمان، وهم لا يصلون أمام الناس إلا وهم كسالى، لأنهم لا يرجون بصلاتهم ثوابا، ولا يخشون بتركها عقابا، فهي ثقيلة عليهم، كما قال تعالى: وَإِنَّها- أي الصلاة- لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [البقرة: ٢/ ٤٥]. ولا ينفقون نفقة في سبيل الجهاد وغيره إلا وهم كارهون لها، لا تطيب بها أنفسهم، لأنهم لا ينفقون لغرض الطاعة، بل رعاية للمصلحة الظاهرة، وسترا للنفاق، ويعدون الإنفاق مغرما وخسارة بينهم.
فلا تعجبك أيها النبي وكل مشاهد أو سامع أموال المنافقين ولا أولادهم ولا سائر نعم الله عليهم، فإنما هي من أسباب المحن والآفات عليهم. والكلام بهذا الأسلوب أو اللفظ تحقير شأن المنافقين، فإن إعطاء الله لهم الأموال والأولاد بإرادته تعذيبهم بها.
أما أموالهم في الدنيا فهي سبب تعذيبهم بها حيث يتعبون في جمعها، ويصحبها