ومن مظاهر خوفهم: أنهم يتمنون الهرب والفرار من الأرض الإسلامية والعيش بعيدين عن المسلمين، فلو وجدوا ملجأ، أي مكانا يتحصنون فيه، أو مغارة، أي كهفا في الجبال، أو سربا في الأرض، أو مسلكا للدخول فيه بمشقة، لولوا إليه، أي رجعوا إليه، وهم يجمحون، أي يسرعون في ذهابهم عنكم على نحو لا يقاوم، لأنهم إنما يعيشون معكم كرها، لا محبة وودا، وضرورة لا اختيارا، فهم في هم وقلق، وحزن وغم، لتقدم الإسلام ورفعته، وانحدار الشرك وهزيمة المشركين.
بل وأوقح من هذا، فمن المنافقين من يعيب عليك ويطعن بك أيها النبي الرسول في قسمة الصدقات صدقات الأغنياء وزكواتهم أو الغنائم الحربية، فيطالب ذو الخويصرة رأس الخوارج رسول الله بالعدل قائلا: اعدل يا رسول الله، فقال صلوات الله وسلامه عليه: ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟! ثم يقول رسول الله:
احذروا هذا وأصحابه، فإنهم منافقون.
ثم وصفهم الله تعالى العالم بالخفيات والأسرار بأن رضا هؤلاء المنافقين وسخطهم لمصلحة أنفسهم، لا للدين والحق والعدل وصلاح أهله لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تألف واستعطف قلوب أهل مكة بتوفير الغنائم عليهم، فضجر المنافقون منه، فقال تعالى:
فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ أي إن أعطوا من الزكاة أو من الغنائم، ولو بغير حق رضوا، وإن لم يعطوا منها أعلنوا التبرم والسخط، حتى وإن لم يستحقوا العطاء، فهم إنما يغضبون لأنفسهم ومنافعهم، لا للمصلحة العامة.
ولو أنهم رضوا ما أعطاهم الله والرسول من الغنائم وطابت به أنفسهم، وقالوا:
كفانا فضل الله وعطاؤه وصنعه، وكفانا ما أخذناه، وسيرزقنا الله غنيمة أخرى، ويعطينا رسول الله أكثر مما أعطانا اليوم، إنا إلى الله في طلب فضله ورضاه لراغبون، لا نرغب إلى غيره أبدا، لو أنهم رضوا بذلك وقالوا هذا القول الجميل لكان خيرا لهم وأولى وأكرم.