تتضايق لأجل قولهم: هلا أنزل عليه كنز من ربّه يغنيه عن التجارة والكسب، ويدلّ على صدقه. أو هلا جاء ملك من السماء يؤيد دعوته. والقائل: هو عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي.
ثم أوضح الله تعالى بمناسبة الرّد على المشركين في مطالبهم التعجيزية مهمة النّبي الرّسول، وهي إنذار من عصاه بالنار، فليس عليك أيها النّبي إلا إنذارهم بالوحي، من غير مبالاة بما يقولون، ولا آت بما يقترحون، ولك أسوة بالرّسول السابقين قبلك، فإنهم كذّبوا وأوذوا، فصبروا حتى نصرهم الله، والله هو الرقيب على أعمالهم، الحفيظ للأمور، فتوكّل عليه، ولا تبال بهم، فإنه عالم بحالهم ومجازيهم على أعمالهم.
ثم تحدى الله العرب بالإتيان بمثل القرآن أو سور معدودات منه، ردّا على موقفهم، فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ... أي بل يقول مشركو مكة: افترى محمد القرآن واختلقه من عند نفسه. والافتراء أخصّ من الكذب، فهو الزعم بما ليس موجودا أصلا. فإن كان ما يزعمون صحيحا فليأتوا بعشر سور مثله مفتريات، تحاكيه في الفصاحة والبلاغة، وإتقان الأحكام والتشريعات الناظمة لشؤون الحياة. والمختار عند أكثر المفسرين أن القرآن معجز بسبب الفصاحة والمعاني. وطالبهم القرآن وترك لهم المجال بأن يستعينوا بمن استطاعوا من الإنس والجن إن كانوا صادقين في زعمهم أن القرآن مفترى. ولكنهم عجزوا أن يأتوا بمثل أقصر سورة من القرآن، لأن كلام الله لا يشبه كلام المخلوقين.
وبعد هذا التّحدي إن لم يستجيبوا لكم، أي إن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه، فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك، وأن القرآن إنما نزل من عند الله وبإذنه وعلمه، وبما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق، وإخبار بمغيبات لا معرفة لهم