- ٢- استعجال العذاب من قوم نوح
يقع أتباع الرّسل وأقوامهم في الحماقة والطيش حينما يعادون رسولهم، ويصفونه بأوصاف كاذبة، ويلصقون به التّهم الباطلة، لتسويغ ضلالهم وزيغهم، ومن هؤلاء الحمقى: قوم نوح حينما انهزموا أمام حجته الدامغة، أوردوا عليه أمرين: الأول- أنه أكثر جدالهم، والثاني- مطالبتهم بالعذاب الذي توعدهم به. وأدى هذان الأمران إلى إعلان نوح اليأس من إجابتهم لدعوته، وزعمهم أن نوحا افترى هذا التوعد بالعذاب، وأراد الإرهاب عليهم بذلك. وهذا ما سجّله القرآن الكريم عليهم في الآيات التالية:
[سورة هود (١١) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
«١» «٢» «٣» [هود: ١١/ ٣٢- ٣٥].
الكلام عن قوم نوح تصوير دائم لأحوال مشابهة للكفرة في كل زمان ومكان، فما صدر من قوم نوح متجسد في أحداث التاريخ، وعقلية الأقوام المتلاحقة، فليست القضية إذن مجرد تاريخ للعبرة، وإنما هي صورة متكررة معادة لدى بعض الناس في أفكارهم وسلوكهم، ما دام خطاب القرآن واحدا.
والمعنى: قال قوم نوح له: قد طال منك هذا الجدال، وهو المراجعة في الحجة ومقابلة الأقوال ومناقشتها حتى تقع الغلبة، فأتنا بما تعدنا به من العذاب والهلاك

(١) بفائتين من عذاب الله بالهرب.
(٢) يضلّكم.
(٣) عقاب ذنبي.


الصفحة التالية
Icon