فأجابه قومه جهلا وعنادا بقولهم: يا صالح قد كنت فينا مرجوّا، أي مسوّدا، نؤمل فيك أن تكون سيّدا من الأكابر، قبل دعوتك هذه، فهي محل تعجّب لأنك تنهانا عن عبادة الآباء والأسلاف، وهي عبادة الأوثان والأصنام، وإننا نشك كثيرا في صحة ما تدعونا إليه من عبادة الله وحده، وترك التّوسّل إليه بالشّفعاء المقرّبين عنده.
والشّك: التّوقف بين النّفي والإثبات. والمريب: هو الذي يظن به السوء.
والمقصود التزام التقليد ومتابعة الآباء والأجداد في عبادة الأوثان. فأجابهم صالح عليه السّلام مبيّنا ثباته على منهج النّبوة بقوله: كيف أعصي الله في ترك ما أنا عليه من البيّنة، أخبروني عماذا أفعل، إن كنت على برهان وبصيرة ويقين فيما أرسلني به إليكم، وآتاني منه رحمة، أي نبوّة ورسالة تتضمن وجوب تبليغ ما أوحى الله به إلي.
وبما أنني نبي مرسل من عند الله، فانظروا من الذي ينصرني ويمنعني من عذاب الله إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره؟ وإذا تابعتكم وتركت دعوتكم إلى عبادة الله وحده، لما نفعتموني، ولما زدتموني حينئذ غير الوقوع في الخسارة والضلال، بأخذ ما عندكم، وترك ما عند الله الذي يريد الخير لكم.
إن الفرق واضح في الأسلوب بين القوم والنّبي، فالقوم ثمود قابلوا صالحا عليه السّلام بما يفيد التوبيخ والاتّهام، ويدلّ على التصميم على الكفر، والنّبي صالح يتلطّف بهم ويحاول إقناعهم بصحة دعوته إلى توحيد الله، معتمدا على أسلوب النّقاش العقلي الهادئ، والمثير كوامن التفكير والتأمل فيمن هو أجدر بالعبادة، أهي الأصنام الصّماء التي لا تضرّ ولا تنفع، أم الإله الخالق الرّازق، الممكّن عباده من الانتفاع بخيرات الأرض وثمارها؟! إن العاقل البصير هو الذي يختار عبادة الأحقّ والأنفع، وترك غيره مما لا يشبهه في شيء من صفاته.