قد يتعجب سائل فيسأل: كيف يهلك قوم من أجل قتل ناقة؟ والجواب: أن المعادلة أو المساواة لا يصح أن تكون هي أساس الحكم هنا، لأن تواطؤ قبيلة ثمود وأمرهم أشقاها بعقر الناقة دليل على الإصرار على الكفر، والتّمسّك بعبادة الأوثان والأصنام، ورفض دعوة الأنبياء والمرسلين هداة البشرية إلى الحقّ والنّور والخير، فاذا قورنت هذه المساوئ ممثّلة بعقر النّاقة مع ما تؤول إليه من خسارة اجتماعية كبري، ومأساة إنسانية عامّة، هان الأمر، وأدرك الناس عن وعي وتقدير أن معاداة الرسالات الإلهية تنبئ عن معان مثيرة ومواقف مدهشة، وأوضاع قلقة مليئة بالفوضى والمنازعات، فيكون عقر الناقة موجبا لمثل هذا العذاب الاستئصالي ليدرك البشر أن الحقّ والخير في دعوة الأنبياء، ولا يصلح لأحد الوقوف أمامها وتحدّيها.
بشارة إبراهيم عليه السّلام بولد عند الكبر
تتعدد مظاهر قدرة الله في خلق الإنسان، فإما أن يخلقه الله مباشرة من غير أب ولا أم كآدم عليه السّلام، وإما أن يخلقه من غير أب كعيسى عليه السّلام، وإما أن يخلقه من غير أم كحواء أم البشرية، وإما أن يحدث الخلق في الوقت المعتاد زمن الشباب كأغلب الناس، أو يحدث الخلق في حال العجز والشيخوخة والكبر، كخلق يحيى وإسحاق عليهما السّلام. وتصف لنا آي القرآن المجيد كيفية ولادة إسحاق من أبوين كبيرين عجوزين هما إبراهيم عليه السّلام وامرأته سارّة الآيسة من الحيض، فقال تعالى:
[سورة هود (١١) : الآيات ٦٩ الى ٧٦]
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)
«١» «٢» «٣».
(٢) أنكرهم ونفر منهم.
(٣) أحسّ في قلبه منهم خوفا.