وحدث كل هذا من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، أي فعل فعلا أفسد به، وأغوى وأساء العلاقة بيني وبين إخوتي، ونسب النّزغ للشيطان لأنه سبب الإفساد.
وإنما ذكر يوسف هذا القدر من أمر إخوته ليبيّن حسن موقع النّعم لأن النعمة إذا جاءت إثر شدة وبلاء، فهي أحسن موقعا. وأما نزغ الشيطان فهو حقيقة واقعة
لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه البخاري عن أبي هريرة-: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري، لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار».
والمعنى: يرمي به في يده ويحقق ضربته. ومن رواه «ينزغ» فمعناه الإغراء، أي يزيّن له الشيطان تحقيق الضربة.
ثم قال يوسف: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ أي إن الله إذا أراد أمرا، قيّض له أسبابا، وقدّره ويسّره، إنه هو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أقواله وأفعاله، وقضائه وقدره، وما يختاره ويريده.
نهاية قصة يوسف والعبرة منها
تضمنت قصة يوسف عليه السّلام مجموعة من المبادئ الاعتقادية والأخلاقية والدينية، كوّنت همزة وصل وجسور التقاء بين رسالة يوسف ورسالة النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، أساسها شكر النعمة لخالق الأرض والسماء، ومبناها الإيمان بالغيب، وفيها براهين لإثبات وجود الله تعالى وتوحيده تقوم على أساس التّفكر والتأمل في آيات الله الكونية، وتتضمن وصف أكثر الناس بعدم الإيمان، وتهديدهم بإتيان العذاب أو مجيء القيامة، مما يجعل دعوة خاتم الأنبياء تقوم على هذه الأسس القديمة القويمة، وعلى الإقناع والعقل والتبصّر في الأمور، وإثبات توحيد الله، ورفض الشّرك والوثنية. وصف الله تعالى هذه الجسور بين رسالات الأنبياء بقوله تعالى: