- وآتاكم من كل ما سألتموه، أي أعطاكم يا جنس البشر سؤلكم وحقّق مطلبكم، من كل ما شأنه أن يسأله الإنسان وينتفع به، ولا يطرد هذا في واحد من الناس، وإنما تفرقت هذه النعم في البشر، فهم الأسرة الكبرى الذين ينتفعون بنعم الله، موزعة بحكمة إلهية، ونسب حسابية على وفق المصلحة التي يعلم بها الله لكل إنسان.
ومقتضى هذا أن النّعم كثيرة ومتنوعة ومتجدّدة أيضا، في الزمان والمكان. وهذا ما نشاهده في عصرنا الحاضر حيث امتلأت ساحات الحياة بألوان من النّعم في النفس والمنزل والشارع ومجالات العمل المختلفة.
لذا قال الله تعالى بعدئذ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها أي إن أردتم أيها البشر تعداد نعم الله المنعم بها عليكم لا تستطيعون حصرها وتحديدها وإحصاءها لكثرتها، وعظمها في الحواس والقوى، وإيجادها من العدم، إلى هداية الإيمان، ومدد الأرزاق المتواصلة.
إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ: أي إن الإنسان مع الأسف لا يقدّر النعمة ويظلمها بإغفال شكرها، والجحود بها، وعدم مقابلتها بالوفاء والعرفان. وهاتان الصفتان: الظلم والكفر موجودتان في الوسط الإنساني، قائمتان في كل إنسان، فإن كانت هذه الخلال من جاحد فهي بصفة، وإن كانت من عاص فهي بصفة أخرى، كما ذكر العلامة ابن عطية في تفسيره العظيم، فيكون الناس متفاوتين في اقتراف الظلم والكفر، فهناك من يلازم هاتين الصّفتين، وهناك من يصدر منه نسبة معينة منهما، والسعيد من تخلّص منهما بصفة نهائية تامّة.


الصفحة التالية
Icon