ووصف نوح بكونه (عبدا)، ووصف نبينا محمد أيضا بأنه (عبد الله) دليل واضح على مرتبة الأنبياء، وهي مرتبة العبودية الخالصة لله تعالى، فإن معجزة الإسراء والمعراج الخارقة لنبينا، لا يصح وصفها بغير حقيقتها، ولا إنزال النبي في منزلة تتجاوز موضعه الحقيقي، وهو كونه عبدا لله، أي خاضعا لعزة الله وسلطانه.
وإن إنزال التوراة على موسى عليه السلام إنما هو من أجل الالتزام بأحكامها والاهتداء بهديها، والتقاء أتباعها مع دعوة الحق، ودعوات الأنبياء جميعا، ومنهم نوح عليه السلام وخاتم النبيين محمد صلّى الله عليه وسلّم. وهذا المنهاج الموحد للأنبياء: هو الذي ينبغي أن يقتدي به الناس، فإن الدعوة إلى توحيد الله وعبادته واحدة في كل الشرائع، ولا يصح أن يكون بين أتباع الأنبياء اختلاف وأحقاد، وكراهية وعداوة، فذلك شأن من لا يؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وتوحيد هذا المنهاج يفهم مما ربط الله تعالى به النهي عن الإشراك واتباع ذرية نوح الموحدة لله، والمراد الحمل على التوحيد لله، بذكر إنعامه تعالى عليهم المتضمن إنجاء آباء البشرية من الغرق في سفينة نوح عليه السلام، حين لم يكن لهم وكيل يتوكلون عليه، سوى الله تعالى.
وينبني على منهج التوحيد لله رب العالمين ألا يتخذ البشر أحدا منهم إلها من دون الله، أو أربابا من دون الله، فإن المنعم الحقيقي هو الله تعالى، والناس بسبب ضعفهم وحاجتهم إلى الله سبحانه أجدر بهم أن يتجهوا نحو ربهم الذي خلقهم وهداهم وأنعم عليهم، وهو وحده الذي يحاسبهم في الدار الآخرة على كل ما قدموه من خير أو شر.