بين الضعف والقوة، ثم الهرم والشيخوخة، ليتذكر الإنسان ويعتبر، ويعود إلى جادة الاستقامة وإصلاح شؤونه وأعماله من أقرب الطرق، فإذا استبد العناد والجحود بالإنسان، ووقف موقف التحدي، استحق الجزاء العادل.
أهل الدنيا وأهل الآخرة
تتجه الهمم والعزائم بحسب المقاصد والنيات والأغراض إما إلى الدنيا ومحبتها وإيثارها على كل شيء، وهذه هي طبيعة الماديين وعشاق المال والثراء والجاه، وإما إلى الآخرة، وتفضيلها على الدنيا لأنها النعيم الأبدي الخالد، وحذرا من الجحيم والعذاب الدائم، ويكون الجزاء بمقتضى العدل الإلهي أن يجازى كل امرئ بما كسب، ويكون هذا الجزاء من جنس العمل، وهذا ما أوضحته الآيات الآتية، قال الله في كتابه العزيز:
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٨ الى ٢١]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [الإسراء: ١٧/ ١٨- ٢٠].
تصنّف هذه الآيات الناس صنفين، وتجعلهم فريقين: فريق يعمل للدنيا وحدها، وفريق يعمل للآخرة في الغالب، أما الفريق الأول أهل الدنيا العاجلة: فهم يقصرون جهدهم وعملهم على تحصيل ملذات الدنيا وشهواتها وينسون المستقبل والآخرة، ولا يؤمنون بها، فتكون النتيجة أن الله تعالى يعجل لمن يريد الدنيا
(٢) مطرودا من رحمة الله.
(٣) أي أعطاها حقها من السعي بالأعمال الصالحة.
(٤) نزيد من العطاء مرة بعد مرة.
(٥) ممنوعا.