ومن قتل ظلما وعدوانا بغير حق يوجب قتله، فقد جعل الله لمن يلي أمره من قريب كأب أو أخ، أو سلطان حاكم عند عدم وجود القريب الوارث، سلطة على القاتل، فيختار أحد أمرين: إما القصاص بعد إصدار حكم قضائي وبإشراف القاضي، وإما العفو عنه على الدية أو مجانا، والسلطة لولي الدم مقيدة بألا يسرف في القتل، بأن يمثّل بالمقتول، أو يقتل غير القاتل، أو يقتل أكثر من واحد من قبيلة القاتل، ووعد الله قريب القتيل بالعون والنصر على القاتل، فلا يسرف في القتل، فإن الله تعالى أوجب له القصاص، ويعوضه الله خيرا في الدنيا والآخرة بتكفير الخطايا، وتعذيب القاتل في النار. ويكون الأولى ترك القصاص، وأخذ الدية أو العفو مجانا.
ثم حرم الله تعالى أكل مال اليتيم، أو إتلافه، فلا يجوز الاقتراب من مال اليتيم إلا لفائدة أو مصلحة، وهي الطريقة الحسنة بحفظ ماله وتثميره، وتنميته والأكل منه حال الفقر أو الحاجة، حتى يبلغ رشيدا، ويبلغ أشده، أي يبلغ مبلغ الرجال، وحينئذ يسلّم له ماله. وهذا خطاب للأوصياء المشرفين على أموال اليتامى. والمراد من قوله تعالى: إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: إلا بأحسن الحالات.
وانتهت الآية بالأمر بالوفاء بالعهد، وهو لفظ عام يشمل كل عهد ووعد وعقد بين الإنسان وربه، أو بينه وبين المخلوقين في طاعة، فالوفاء بالعهد وتنفيذ شروط العقد من الإيمان، وإن تنفيذ العهد مطلوب ممن عوهد أو عهد إليه، هل وفّى به أم لا؟
إن الوفاء بالعهد أو العقد: معناه تنفيذ مقتضاه، والحفاظ عليه على الوجه الشرعي، وبحسب التراضي الذي لا يصادم أصول الشرع، خلافا لمن يتهاون بالعقود ويتخلص منها وينقضها إذا تبدل وجه المصلحة، فذلك ذنب عظيم وجرم كبير، يتساهل به من لا دين له ولا خلق ولا كرامة.


الصفحة التالية
Icon