ثم يتلقى الناس الأحكام الصادرة في حقهم، في صحف تتطاير وكتب توزع، حتى تصل إلى أيدي أصحابها، فيضع الله (الكتاب) أي فتوضع كتب الناس التي أحصتها الحفظة لكل واحد، ويكون لكل إنسان كتاب واحد، يظهر فيه ما دوّن من أعمال الناس، من خير أو شر، صغير أو كبير، دون أن يترك الكتاب شيئا، ويقول المجرمون شاكين من دقة الإحصاء، لا من وجود ظلم أو حيف، يا حسرتنا ويا ويلنا على ما فرطنا وقصرنا من أعمال، فلا يترك هذا الكتاب ذنبا صغيرا ولا كبيرا إلا ضبطه وحفظه، فهو شامل لكل شيء، كما جاء في آية أخرى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) [ق: ٥٠/ ١٧- ١٨]. والآية تدل على إثبات الصغائر والكبائر من الذنوب.
ويجد الناس ما عملوا في الدنيا مثبتا في كتابهم، من خير أو شر، صغير أو كبير، قال ابن عباس: الصغيرة: الضحك.
وليس في حكم الله أي ظلم لأحد من الخلق، لأن العدل الإلهي المطلق شامل للثواب والعقاب، حتى يكافأ المحسن، ويجازى المسيء، بل إن الله تعالى قد يغفر ويرحم، وإذا حكم، فإنه يعذب من يشاء بقدرته وحكمته وعدله، ويكون جزاء الكفرة الخلود في نار جهنم. وأمر المغفرة والعقاب متروك لمشيئة الله تعالى ويتنازع الأمرين: العدل الإلهي المطلق، والرحمة الشاملة السابغة، لكن تغلب الرحمة الغضب كما
جاء في الحديث النبوي الثابت: «سبقت رحمتي غضبي».


الصفحة التالية
Icon