أقدم فرعون مصر على إبطال آيات الله التي أتى بها موسى، بالسحر، وانصرف غاضبا جادّا كل الجد، فجمع ما يكيد به من السحر والحيلة، والأتباع والأنصار، وكان السحر شائعا في زمنه في أنحاء مصر، ثم أقبل في الموعد المحدد، وجلس في مكان خاص به مع كبار أعوانه وحاشيته. وجاء موسى وأخوه هارون، وأقبل السحرة ووقفوا صفوفا، وبدأ فرعون يحرّض السحرة ويعدهم بوعود براقة، فطلبوا منه الأجر، كما حكى القرآن الكريم: فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢). [الشعراء: ٢٦/ ٤١- ٤٢].
قال موسى لفرعون والسحرة: الهلاك والعذاب لكم إن اختلفتم على الله كذبا وزورا، فتزعموا أن ما جئت به ليس بحق، وأنه سحر، فيستأصلكم الله بعذاب شديد من عنده، وقد خسر وهلك من افترى على الله، أي كذب أي كذبة كان. وهذه مخاطبة محذّر، فإنه ندب السحرة إلى قول الحق إذا رأوه، وألا يأتوا بكذب.
فلما سمع السحرة كلام موسى عليه السلام، تناظروا وتشاوروا فيما بينهم في الأمر، وتناجوا سرا في شأن موسى وأخيه، والنجوى: السر والمسارّة، أي كان كل رجل يناجي من يليه.
وقالت السحرة بعد المشاورة والمداومة: ما موسى وهارون إلا ساحران يريدان إخراجكم أيها المصريون من أرضكم مصر، بصناعة السحر، كما يريدان التغلب، للاستيلاء على جميع المناصب، ولتكون لهما الرياسة في كل شيء، ويذهبا بسيرتكم ومملكتكم والحال التي أنتم عليها ويزيلا طريقتكم المثلى، أي الفاضلة الحسنة.
وأقوالهم هذه مستمدة من آراء فرعون ومزاعمه وإشاعاته، مستخدمين أساليب ثلاثة للتنفير من موسى وأخيه: وهي تكذيب نبوتهما ووصفهما بالسحرة، والكشف