الإعذار والإنذار، وإقامة الحجة والبيان، فإن أعرضوا كان عقابهم في محراب العدالة حقا، وأما عيسى وأمه عليهما السلام فكانا في موقف صعب، وتحدّ وإنكار واتهام، لكن إرادة الله وحكمته، وبيان آفاق قدرته فوق كل التحديات، ومحبطة لكل ألوان الاتهامات، ومعلنة للبراءة والسمو والعفة والطهر على مدى التاريخ، قال الله تعالى في بيان هذه الأخبار:
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٥ الى ٥٠]
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠)
«١» «٢» «٣» «٤» [المؤمنون: ٢٣/ ٤٥- ٥٠].
يتابع البيان القرآني سرد أخبار فئة عليا من الأنبياء، بحسب الترتيب الزمني، وهنا يخبر الله تعالى أنه أرسل موسى وأخاه هارون بالآيات الدامغة الدالة على صدق نبوتهما لفرعون وملئه (قومه). وتلك الآيات تسع، منها اليد والعصا اللتان اقترن بهما التحدي، وهما «السلطان المبين» أي الحجة الواضحة، وبقية الآيات كالبحر الذي أغرق فرعون وجنوده فيه، والمرسلات الست: وهي أرسلها الله على فرعون وقومه، وذكرها الله في سورة الأعراف، وهي الطوفان، والجراد، والقمّل، والضفادع، والدّم، والرّجز أي القحط والسنون العجاف. وأما غير ذلك مما جرى بعد الخروج من البحر فليست تلك لفرعون، بل هي خاصة ببني إسرائيل.
أيد الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام بهذه الآيات والمعجزات في مواجهة الطاغية فرعون وملئه، أي الأشراف وغيرهم، فاستكبروا عن الإيمان بموسى وأخيه
(٢) ضممناها.
(٣) الربوة: المكان المرتفع من الأرض.
(٤) المعين: الماء الجاري المرئي بالعيون.