«١» [المؤمنون: ٢٣/ ٧٨- ٨٣].
هذان موقفان متباينان غريبان: موقف الإله المنعم المتفضل بالمدد والعطاء الدائم، وموقف الكفرة في مواجهة ذلك بإنكار قدرة الله على البعث وإقامة القيامة العظمى.
أما الموقف الإلهي: فمستمد من الواقع المحسوس، حيث يذكّر الله عباده بالنعم القريبة منهم، الحسية المشاهدة لهم: وهي إقدارهم على السمع والبصر والفؤاد، أي العقل والفهم، لتمييز الأشياء، والاعتبار بما في الكون من آيات وعبر تدل على قدرة الله ووحدانيته، وأنه الفاعل المطلق لما يشاء. وأما موقف البشر: فهو موقف غريب عجيب، لا يتفق مع أفضال الله ونعمه.
لقد أمدكم الله أيها البشر بنعمة السمع لسماع الأصوات، والبصر لرؤية الأشياء، والفؤاد، أي العقل لفهم الأمور، وإدراك الحقائق المؤدية إلى تحقيق المنافع الدنيوية والأخروية، وخص الله تعالى هذه النعم الثلاث بالذكر، لأنها مفاتيح المعرفة، وطرق الاستدلال بها على وجود الله وقدرته. غير أن الشاكرين من الناس قليلون، فإنهم لم يشكروا الله على نعمه العظيمة، وقابلوها بالجحود والإنكار، وقابلوها بالإعراض والابتعاد.
وقوله سبحانه: الْأَفْئِدَةَ يراد بها القلوب أداة الوعي، وهي إشارة إلى النطق والعقل، وقوله تعالى: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ نعت لمصدر محذوف تقديره: شكرا قليلا ما تشكرون.
ومن أدلة قدرته تعالى: أنه ذرأكم في الأرض، أي خلقكم ووزعكم في أجزاء الأرض بالتناسل، لعمارتها وتحضرها، وجعلكم متميزين مختلفين في الأجناس