والمقصود بكلمة وَفَرَضْناها أثبتناها وقررناها، فهي أشبه بالفرض في الإلزام، وقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي على توقع البشر ورجائهم.
ومن هذه الأحكام الأساسية في كيان المجتمع المسلم: أن عقوبة الزناة الأبكار غير المتزوجين هي الجلد مائة لكل من الزاني والزانية في دار الإسلام أيا كان. ولا يحملنكم العطف والرأفة على ترك هذا الحد فهو حكم الله تعالى، والواجب تنفيذه، والغيرة على حرمات الله، ما دمتم مؤمنين مصدقين بالله وبالآخرة التي يجري فيها الحساب والجزاء، وهذا حث شديد على تطبيق حدود الله وتنفيذها. وتكون إقامة الحد علانية أمام فئة من الناس المؤمنين، تحقيقا للزجر والردع، وبعدا عن التورط في الفاحشة، وتقريعا وتوبيخا لمن تدنّس بها.
والطائفة التي تشهد على إقامة الحد: أقلها واحد، وقيل: اثنان فأكثر، وقال قتادة: أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، أي نفر من المسلمين، ليكون ذلك موعظة وعبرة ونكالا.
ثم ذكر الله تعالى قبح مستنقع الفواحش، وأنه يجب تطويقه وعزله عن المجتمع، فأخبر خبرا خرج مخرج الغالب، من غير قصد التحريم الاصطلاحي، وإنما التنزه والابتعاد والترفع عن وسط الزناة، والمعنى: الشأن في الزاني الفاسق الفاجر ألا يرغب إلا في نكاح أمثاله من النساء الزانيات الفاسقات، فهو في العادة لا يرغب إلا في الزواج بأمثاله من الفواسق الخبائث أو المشركات، ممن لا يهتم بعرض ولا يأبه بتعفف، وذلك الزواج بأهل الفسق والبغايا، كان محرما على أهل الإيمان، فلا يتزوج زان إلا زانية، ولا يتلوث بذلك مؤمن. وهذا التحريم يراد به المبالغة في التنفير والتنزه والتعفف، بدليل إباحة الزواج بأي امرأة لا زوج لها، وهي الأيم وجمعها أيامى، لقول الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور: ٢٤/ ٣٢] فإنه يتناول البغايا.