ناقشهم إبراهيم الخليل عليه السّلام بأن تلك الأصنام لا تتصف بمقتضى العقل بصفات الإله، فإنهم لا يسمعون دعاءكم حين تدعون، ولا ينفعونكم بشيء، ولا يدفعون عنكم ضررا. فأجابوه متمسكين بالتقليد الموروث الأعمى: لقد وجدنا آباءنا يفعلون ذلك، أي لا حجة ولا برهان من العقل على عبادتها، وإنما هو مجرد تقليد، وهو في الواقع أقبح وجوه التقليد، لأنه على ضلالة، ويناقض الواقع، ويرفضه الفكر الصحيح، ولا حجة فيه.
فتبرأ إبراهيم عليه السّلام من جميع ما عبد من دون الله تعالى، وعداوته له، وعبّر عن بغضه وعداوته لكل معبود سوى الله عزّ وجلّ، وقال: أخبروني عن حال ما تعبدونه، أنتم وأسلافكم الأقدمون في غابر الزمان إلى الآن، هل حققت هذه العبادة شيئا، وهل لهذه الجمادات أي تأثير؟ وأتحدّاها بأن تجلب إلي ضررا أو سوءا، فهي كلها عدوّ لي لا أعبدها، ولكن أعبد الله ربّ العوالم كلها من إنس وجنّ، فهو الذي أوجدني ورزقني، وهو الذي يرشدني لطاعته، ويهديني دائما للخير والصلاح في الدنيا والآخرة، وهو الذي يرزقني الطعام والشراب وغيرهما من أنواع الرزق المتجدّد والدائم.
وإذا تعرضت لمرض، فهو الإله المنعم الذي يشفيني من كل داء، وهو الذي يحييني ويميتني، لا يقدر على ذلك أحد سواه، لأنه المبدئ والمعيد. وهو الذي أرجو أن يغفر لي سيّئاتي، ويستر ذنوبي يوم القيامة، ولا يقدر على غفران الذنوب سواه.
هذه أوصاف خمسة للإله الذي يستحق العبادة وحده دون غيره، ويلاحظ أن إبراهيم عليه السّلام أسند المرض إلى نفسه بقوله: وَإِذا مَرِضْتُ وأسند الشّفاء إلى الله عزّ وجلّ بقوله: فَهُوَ يَشْفِينِ وهذا من حسن الأدب في العبارة، مع أن الكل من عند الله.