٥- واغفر لأبي ذنبه، ووفقه للتوبة والإسلام، فإنه ضال عن طريق الهدى، أي مشرك. واستغفاره لأبيه في هذه الآية قبل أن يتبين له بموته على الكفر: أنه عدوّ لله، أي محتوم عليه سوء اعتقاده بإصراره على الشّرك، كما قال الله تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التّوبة: ٩/ ١١٤].
٦- ولا تفضحني بعتاب على ما فرّطت، أو بنقص منزلة عن وارث، واسترني من الخزي والهوان يوم القيامة، وهذا مبالغة منه عليه الصّلاة والسّلام في تحرّي الكمال والسلامة والنّجاة، في يوم شديد الأهوال. فكلمة وَلا تُخْزِنِي إما من الخزي: وهو الهوان، وإما من الخزاية: وهي الحياء. وهذا سيتحقّق بفضل الله، لأنه إمام الحنفاء، وأبو الأنبياء.
ثم وصف يوم القيامة الذي يخاف منه بأنه يوم لا ينفع الإنسان فيه مال ولا بنون، ولا يقيه شيء من عذاب الله ولو افتدى بملء الأرض ذهبا، إلا من أتى الله بقلب سليم من الشوائب، فينفعه سلامة قلبه. والقلب السليم لله: هو الخالص السليم من الشّرك والمعاصي، ومتاع الدنيا ولو كان مباحا، كالمال والبنين. ومما لا شك فيه أن الأهم والأخطر لسلامة القلوب: هو تخلّصها من الشّرك والنّفاق، والكفر والضّلال، لأن الشّك والشّرك والنّفاق هي أمراض القلوب، كما قال الله تعالى في وصف المنافقين: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة: ٢/ ١٠]. وكان إبراهيم عليه السّلام ذا قلب صاف من كل معكرات الإيمان، وذا فطرة سليمة من جميع شوائب الضلال.
وفي السّنة النّبوية الصحيحة أدعية مأثورة يشبه بعضها ما جاء في هذا الدّعاء.
منها:
«اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي، وتزكّي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وتردّ بها ألفتي، وتعصمني بها من كل سوء».


الصفحة التالية
Icon