هذا ردّ قاطع مفحم على أولئك العرب الذين زعموا أن القرآن من عند محمد، أو أنه كهانة أو سحر، وإنما هو من عند الله تبارك وتعالى، وكان تنزيله تدريجا من ربّ العالمين، نزل به جبريل الأمين على الوحي، على قلبك أيها النّبي، أي على روحك المدركة الواعية، وأفهمك إياه، سالما من كل شائبة أو نقص أو زيادة، لتنذر به قومك والعالم كله بأس الله وغضبه على من خالفه، وتبشّر به المؤمنين بالجنة، وكان إنزاله بلسان عربي، فصيح، بيّن، واضح، قاطع للعذر.
وإن الحديث عن هذا القرآن مذكور في الكتب المنزلة القديمة، تنبّه عليه، وتشير إليه، كما جاء على لسان عيسى عليه السّلام: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصّفّ: ٦١/ ٦]. والزّبر: هي الكتب، جمع زبور، ومنها زبور داود عليه السّلام، أي كتابه.
هذا هو البرهان الأول على صدق نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والبرهان الثاني: أو ليس يكفيهم شاهد على صدقه أن علماء بني إسرائيل يجدون الكلام عن هذا القرآن مذكورا في كتبهم التي يدرسونها من التوراة والإنجيل؟! فهم كانوا يعلّمونه حقّ العلم، كعبد الله بن سلام ونحوه. وهذا احتجاج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره.
ولقد حكى الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا قال: إن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: هذا زمانه، ووصفوا بعثه، ثم خلطوا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت الآية في ذلك.
وذكر علماء بني إسرائيل فعلا أن في التوراة صفة النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
غير أن المشركين لا تنفعهم الدلائل والبراهين، فلو فرضنا أننا أنزلنا هذا القرآن العربي على بعض الأعاجم، وهم كل من لا ينطق باللغة العربية، فقرأه أعجمي على