النعيم، ولا يخفف من عذابهم، ولا يدفعه، أي النعيم عنهم، لأن مدة التمتع في الدنيا قليلة، مهما طالت، ومدة العذاب في الآخرة دائمة.
عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن البصري في الطواف بالكعبة، فقال له:
عظني، فلم يزد على تلاوة هذه الآية، فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت.
ثم أبان الله تعالى قانونه العام القائم على العدل التام في تعذيب الناس، وهو أنه لا يعذّب قوما إلا بعد إنذار، ومفاده: وما أهلكنا من قوم في قرية أو بلد إلا بعد إرسالنا رسلا إليهم ينذرونهم من عذابنا على كفرهم، ويبشّرونهم بالنعيم إن آمنوا وأطاعوا، وذلك تذكرة لهم، وتنبيه إلى ما يجب عليهم القيام به، ولم نكن في أي حال ظالمين لهم في عقابهم، وإنما إهلاكهم في حال إصرارهم على الكفر، وعبادة غير الله، وتحدّي ما أنزل الله. إنه سبحانه وتعالى يخبرنا أنه لم يهلك أهل بلد أو قرية إلا بعد إرسال من ينذرهم عذاب الله تعالى، ذكرى لهم وتبصرة، وإقامة حجة، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النّساء: ٤/ ١٦٥]. وفي هذا عدل استوجب أن ينفي الله عزّ وجلّ عن جهته الظلم، إذ هو مما لا يليق به.
ثم ردّ الله تعالى على المشركين في مكة وأمثالهم القائلين: إن هذا القرآن كهانة، فكذّبهم الله تعالى بأن هذا القرآن العظيم لم تتنزل به الشياطين كسائر ما ينزل على الكهنة، ولا يتيسّر لهم ولا يسهل ولا يتمكنون من ذلك، فهم عن سمع الملائكة التي تنزل بالوحي مرجومون بالشهب، معزولون عن استماع كلام أهل السماء، إن إنزال القرآن ممتنع على الشياطين لأسباب ثلاثة:
أولها: أنه ليس هو مبتغى لهم ولا مطلوبا منهم، لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وفي القرآن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والقرآن هدى ونور، فلا تلتقي أهدافه مع مقاصد الشياطين.