يأذن له بالغياب، بل هو من الغائبين دون علم منه. وإنما طلب الهدهد لاحتياجه في مفازة إلى معرفة الماء ومدى عمقه في الأرض، وكان الهدهد يرى بطن الأرض وظاهرها، كانت تشفّ له، فكان يخبر سليمان عليه السّلام بموضع الماء، ثم كانت الجنّ تخرجه في ساعة يسيرة، وتستنبطه من غير آلات.
وحينما تثبّت سليمان عليه السلام من غياب الهدهد، هدّده بالذّبح أو التعذيب كنتف ريشه إلا أن يأتي ببرهان واضح يدلّ على قبول عذره. فغاب الهدهد زمانا غير طويل الأمد، ثم جاء، فسأله سليمان عن سبب غيابه، فقال لسليمان: علمت علما تامّا ليس في علمك، وجئتك من بلاد سبأ بخبر متيقّن موثوق، ومضمون الخبر ثلاثة أمور:
١- إني وجدت في بلاد سبأ مملكة عظيمة ذات مجد، تحكمهم امرأة هي بلقيس بنت شراحيل، وأعطيت من متاع الدنيا الشيء الكثير من حوائج المملكة من ثراء وغنى، وملك وأبهة، وجيش مسلّح بأنواع العتاد والعدّة، ولها عرش عظيم، أي سرير هائل مزخرف بالذّهب، وأنواع الجواهر.
٢- وجدت هذه الملكة وقومها يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله، لأنهم كانوا زنادقة، أو كانوا مجوسا يعبدون الأنوار.
٣- وزيّن لهم الشيطان قبيح أعمالهم، فصاروا يرون القبيح حسنا، ومنعهم الشيطان عن طريق الحق وعبادة الله وحده، فصاروا غير مهتدين.
ألا يعرفون سبيل الحقّ والرّشاد بإخلاص العبادة لله وحده، دون ما خلق من الكواكب وغيرها، وهو الخالق المبدع الذي يخرج المخبوء الخفي من الأمور في السماوات والأرض، كالنبات والمعادن، ويعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال.