الإعادة، فهو سبحانه وتعالى الذي يفعل ذلك، ويستقل به وحده لا شريك له، لأنه ليس من الممكن للبشر بحال، لا عقلا ولا عادة أن يعيد إنسانا أو حيوانا إلى الوجود بعد الموت، وليس أدلّ على ذلك من الواقع، فإن الإنسان حريص على بقاء الأحياء، ولكنه عاجز عن إعادة ميت إلى الحياة مرة أخرى. وإذا كان لا بدّ من الاعتقاد بحصر القدرة على البعث بالله وحده، فكيف تصرفون أيها المشركون عن طريق الرشد إلى الباطل، وعن الحق وهو التوحيد إلى الضلال، وهو الإشراك وعبادة الأصنام؟! قل لهم أيها الرسول أيضا: هل يستطيع أحد من شركائكم هداية الضّال والحيران، إما بالفطرة والغريزة، وإما بالحواس من سمع وبصر ونحوهما، وإما بالعقل والتفكير، وإما بهداية كتب السماء والرسل، أو هم عاجزون عن ذلك كله؟! هذه الهداية إلى طريق الصواب، والدعوة إلى العدل هي تماما كالقدرة على الخلق والتكوين، لا يستطيعها أحد سوى الله وحده.
وبما أن المشركين يدركون تمام الإدراك أن شركاءهم لا يستطيعون شيئا من الخلق والهداية التشريعية، فلم يجدوا جوابا، فأجابهم الله: قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أي إن الله وحده هو الذي يهدي إلى الحق والصواب بما أوجد من الأدلة والبراهين، وبما أرسل من الرسل، وأنزل من الكتب، وبما منح الإنسان من التوصل للإيمان بطريق العقل والحواس التي هي مفاتيح المعرفة.
ومن أحق باتّباع قوله وطاعة أمره؟ أهو الذي يقدر على الهداية إلى الحق والرشاد والإيمان، أم الذي لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره، وهو الله تعالى؟ إن الأصنام كما وصفها الله لا تستطيع هداية أحد، فكيف يصح عبادتها، وما لكم أيها المشركون كيف تحكمون بالتسوية بين الله وبين خلقه؟ وهذا تعجب شديد من حكمهم الجائر بالمساواة بين عبادة الله مباشرة، وعبادة الشركاء العاجزين عن كل شيء.


الصفحة التالية
Icon