ثم جاء الكلام بصيغة الاستفهام والإضراب عن الكلام السابق في قوله تعالى:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ.. أم هنا بمعنى الألف والاستفهام، أيقولون: اختلقه محمد؟! ومحمد بشر مثلكم، فأتوا بسورة مثل سور القرآن في الفصاحة والقوة والإحكام، واستعينوا على ذلك بمن تريدون من الإنس والجنّ إن كنتم صادقين في ادّعائكم أن القرآن من عند محمد.
والواقع: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ.. أي بل سارع هؤلاء إلى تكذيب القرآن، من قبل الإحاطة بما فيه، والتدبر لآياته، وفهم مراميه، والتعرف على تأويله وإدراك ما جاء فيه من الإخبار بالمغيبات، وكذلك أصرّوا على تكذيبه بعد معرفته والعلم بإعجازه. ومثل ذلك التكذيب بالقرآن من المشركين، كذبت الأمم السابقة بمعجزات الأنبياء قبل النظر فيها وقبل تقييمها وتدبّرها، من غير إنصاف من أنفسهم، ولكن تقليدا للآباء وعنادا. فانظر أيها الرسول كيف كانت عاقبة أولئك الظالمين لأنفسهم بتكذيبهم رسلهم، وطلبهم الدنيا، وترك الآخرة، وتلك العاقبة أن الله تعالى أهلكهم ودمّر ديارهم بسبب تكذيبهم رسلهم وأنبياءهم.
موقف قريش من القرآن والنّبي
حينما صدع النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم بدعوة قومه في مكة إلى الإسلام، انقسمت قريش في شأن القرآن والنّبي فريقين: فريق يصدّق بالقرآن ذاته وأنه كلام الله ويعلم أنه حق، ولكنه يعاند ويكابر، وفريق لا يصدق به ويشكّ فيه لفرط الغباء والجهل، فيصّر على تكذيب النّبي، لفقده الاستعداد للإيمان به، فلا يكون هناك أمل في إصلاحه وهدايته، مما يقتضي إعطاء الفرصة للفريق الأول للإيمان بالقرآن دون التعجيل بعذاب الاستئصال. وقد حكى القرآن خبر الفريقين في قوله تعالى: