تهديد المشركين على تكذيبهم
توالت تهديدات القرآن الكريم للمشركين على تكذيبهم برسالة النّبي صلّى الله عليه وسلّم وبكل ما جاء فيها من وعد ووعيد، وتنوعت أساليب التهديد، فمرة ينذرهم القرآن بزوال الدنيا السريع، ومرة يبين لهم أن تعذيبهم سيكون في الدنيا وفي الآخرة، وأحيانا يحذّرهم بالقضاء الحاسم بينهم وبين رسولهم، ويوضح أن إنزال العذاب مقصور على إرادة الله ومشيئته، وهذا ما أوضحته الآيات التالية:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧)
«١» «٢» [يونس: ١٠/ ٤٥- ٤٧].
هذه ألوان من تهديدات مشركي مكة وأمثالهم بالعذاب، والتهديد الأول يشتمل على وعيد بالجزاء في الآخرة والحشر وخزيهم فيه وتلاوم بعضهم لبعض، وأن قيام الساعة والحشر قريب، وزوال الدنيا سريع.
والمعنى: اذكر لهم أيها الرسول وأنذرهم يوم يجمعهم الله بالبعث بعد الموت في موقف الحساب والجزاء، فيقدّرون أنهم لم يمكثوا في الدنيا إلا مدة يسيرة، وكأنهم ما لبثوا في الحياة الدنيوية إلا مقدار ساعة بالنسبة لعالم الآخرة. إنهم أضاعوا الدنيا والعمر في اللهو والفساد، ولم يعملوا لما ينفعهم في الآخرة. والساعة التي قضوها في الدنيا هي مقدار تعارفهم فيما بينهم، ثم تنقطع المعرفة بينهم والأسباب.
لذا أعلن الله تعالى خسارة المكذّبين بقوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ أي

(١) الحشر: الجمع من كل جانب إلى موقف واحد.
(٢) بالعدل يوم الجزاء.


الصفحة التالية
Icon