سورة القصص مكّية إلا قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [الآية ٨٥ من السورة]، نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة. افتتحت السورة بالأحرف الأبجدية المقطّعة طسم (١) للتنبيه على إعجاز القرآن، وتحدّي العرب بالإتيان بمثل القرآن الكريم، ما دام مكوّنا من أحرف لغتهم التي يتفاخرون بأنهم فيها أساطين البيان، وفرسان الفصاحة والبلاغة، لذا لا نجد مثل هذه الحروف إلا متبوعة بالكلام عن آي القرآن المجيد. فهذه آيات من الكتاب الواضح الجلي، الكاشف لحقائق الدين وأحكامه. وعبّر عن الآيات ب تِلْكَ وإن كانت إشارة للغائب والبعيد، وكلمة (هذه) للحاضر والقريب، فإنها أي (ذلك) في معنى القريب، بسبب الثقة والتأكد من حصول ما جاء بعدها. إننا نتلو ونذكر لك أيها النّبي خبر موسى وفرعون، حقّا وصدقا مطابقا للواقع، كأنك تشاهد الواقعة، من أجل تعريف قوم يصدّقون برسالتك وبما أنزل إليك من ربّك، فتطمئن به قلوبهم. وخصّ الله المؤمنين في قوله تعالى: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ من حيث إنهم هم المنتفعون بذلك دون غيرهم، لأنهم يصدّقون بالقرآن، ويعلمون أنه من عند الله تعالى، فينتفعون بذلك، أما من لم يؤمن، فلا يصدّق أنّه حقّ، وبالتالي لا ينتفع به.
إن فرعون ملك مصر في عهد الفراعنة استعلى في أرضها واستكبر، وبغى وطغى وتجبّر، وقهر أهلها وبطش، وجعل أهل مصر فرقا وأحزابا مختلفة، وسخّر كل طائفة في مصلحة عمرانية أو زراعية أو غيرها، يجعل جماعة منهم أذلّة خدما مقهورين، وهم بنو إسرائيل، يستأصل بالذّبح أبناءهم الذكور، ويبقي إناثهم أحياء، إهانة لهم واحتقارا، إنه كان من المفسدين في أرض مصر وملكه، بالعمل والمعاصي والاستكبار.
وأراد الله تعالى إنصاف الضعيف وعقاب المستكبر، فأنعم الله على المستضعفين المؤمنين برسالة موسى عليه السّلام، وخلّصهم من بأسه، وأنقذهم من ظلمه ومكره.