فأعاد الله الطفل موسى إلى أمه بعد التقاط آل فرعون له، لتقرّ عينها وتسرّ بوجوده لديها وسلامته عندها، ولا تحزن عليه بفراقه، ولتتيقّن أن وعد الله بردّه إليها حقّ لا شكّ فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون حكم الله في أفعاله، أي حكمته وتدبيره.
خطأ موسى عليه السّلام
قضى موسى عليه السّلام عهد الشباب في مصر، مع قومه الإسرائيليين، وتعايشه مع فرعون وأتباعه، ولكنه كان ضجرا متألما لما عليه سوء الحال في مصر، رافضا ألوهية فرعون، قلقا من استكباره واستعلائه، وإذلاله بني إسرائيل، وينتظر الفرج القريب، بما آتاه الله من العلم والحكمة والبصيرة في إدراك وحدانية الله تعالى، وهو بهذا يصارع الآلام النفسية، من تألّه فرعون وجبروته ومظالمه، وهذا ما وصفه لنا القرآن الكريم، للعبرة والعظة في الآيات الآتية:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٤ الى ١٧]
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)
«١» «٢» «٣» «٤» [القصص: ٢٨/ ١٤- ١٧].
كان تكوين موسى عليه السلام وإعداده للنّبوة وتربيته يشبه إعداد جميع الأنبياء، إنهم كانوا قبل النّبوة على ملّة التوحيد: ملّة إبراهيم الحنيفية عليه السّلام، فلما نضج

(١) قوة البدن والنّمو.
(٢) أي تكامل عقله وحزمه،
(٣) ضربه على صدره بيده. [.....]
(٤) معينا لهم.


الصفحة التالية
Icon