أخبر الله تعالى عن قوم إبراهيم أنه لما بيّن لهم الحجج، وأوضح أمر الدين، لم يجدوا جوابا مقنعا، فلجئوا إلى المغالبة واستخدام القوة والبطش، وتآمروا على قتله وتحريقه بالنار، وأنفذوا أمر التّحريق، فأنجاه الله تعالى من نارهم، وجعلها عليه بردا وسلاما، إن في ذلك الإنجاء لإبراهيم من النار لدلالة على وجود الله الحاضر، وقدرته النافذة، لقوم يصدّقون بالله إذا ظهرت لهم الأدلة والبراهين.
واستأنف إبراهيم عليه السّلام دعوته لتوحيد الله وهجر عبادة الأصنام، حتى بعد إلقائه في النار، فقال لقومه موبّخا ومقرّعا: إنما اتّخذتم هذه الأصنام لتجتمعوا على عبادتها، وتقيموا تجمّعا وديّا فيما بينكم في دار الدنيا، كاتّفاق أهل الأهواء على الباطل والضلال، ثم يقع التنازع والتّباعد بينكم في الآخرة، فتنقلب صداقة الدنيا إلى عداوة وتباغض، فيتبرأ القادة من الأتباع، ويلعن الأتباع القادة، ثم يكون مصير الفريقين إلى النار، ولن يجدوا في الآخرة ناصرا ينصرهم، ولا منقذا ينقذهم من عذاب الله تعالى، فالكل يستوون في استحقاق العقاب، لأن توادّ الكافرين كان مجافيا للحق والخير والتقوى، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزّخرف: ٤٣/ ٦٧].
هذا مع العلم بأن الوثن: ما اتّخذ من جصّ أو حجر، والصّنم: ما كان من معدن.
وفي الزاوية الأخرى في مواجهة الكفر، نجد أملا لا ينقطع، ونورا لا يخبو، فقد آمن بدعوة إبراهيم ابن أخيه لوط عليهما السّلام، وهاجر هو ولوط، إلى بلاد الشام من أرض بابل، وقال إبراهيم عليه السّلام: إني مهاجر من دياركم، متّجه إلى جهة أمرني بها ربّي، فهاجر من سواد العراق إلى حرّان، ثم اتّجه إلى ديار الشام، فأقام إبراهيم في فلسطين في بلدة الخليل، ونزل لوط بلدة سدوم.
وسبب هذه الهجرة: أن الله سينتقم من عبدة الأوثان، فهو القوي الغالب القاهر