هذه الآيات إفحام للمشركين القائلين بتعدّد الآلهة، وإقامة للحجة عليهم، بأنهم إن سئلوا عن الأمور العظام التي هي دلائل القدرة، لم يكن لهم إلّا التسليم لله تعالى.
فو الله يا محمد إن سألت المشركين بالله إلها آخر: من الذي أوجد أو خلق السماوات وما فيها من الشمس والقمر المسخّرين المذلّلين بأمر الله في مدار معين وبنظام دقيق ينشأ عنهما تعاقب الليل والنهار، وما في السماوات أيضا من كواكب ونجوم ثوابت وشهب منقضة، وما في الأرض من كنوز ومعادن وجبال وأنهار وبحار ومخلوقات أرضية متعدّدة، وما تدلّ عليه من عظمة وقدرة إلهية، لو سألتهم أيها الرسول عن ذلك، لأجابوك بأن الموجد المبدع الخالق هو الله تعالى، فكيف يصرفون عن توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له؟! فإن المعترف بأن الله هو الخالق، ينبغي أن يعترف بوحدانية هذا الإله الذي لا يشاركه في خلقه وتدبيره أحد، والمعنى المراد:
أن المقرّ بتوحيد الرّبوبية لله، يجب عليه الإقرار بتوحيد الألوهية، فلا إله غيره، سواء من الأصنام والأوثان، أو من الملائكة، أو الكواكب أو غيرها.
والدليل الآخر بعد الاعتراف لله بالخلق والتدبير: هو أن الله تعالى من أجل دوام المخلوقات، تكفّل برزقها، ويسّره لها، لكن بحكمة إلهية معينة هي لمصلحة المخلوق، فالله يوسع الرزق لمن يشاء من عباده امتحانا واختبارا له، ويضيق الرزق على من يريد ابتلاء ومحنة، على وفق مقتضى الحكمة وبحسب المصلحة المستقرة، لأن الله تامّ العلم بكل شيء، من المفاسد والمصالح، فيمنح ويمنع ويوسع ويقتر، بما يراه الأصلح للعباد، كما جاء في آية أخرى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) [الشّورى: ٤٢/ ٢٧].
واستمرارا لمدد الرزق، وتقريرا لحقيقة ثابتة يعترف بها المشركون: أنك أيها الرسول لو سألتهم أيضا عمن ينزل المطر من السماء أو السحاب، فيحيي به الأرض