كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة: ٢/ ٢٤٩]. وقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ إخبار بانفراد الله بالقدرة.
ويوم ينتصر الرّوم النّصارى على الفرس الوثنيين، يفرح المؤمنون بنصر الله أهل الدين والإيمان، على من لا دين له ولا كتاب من السماء.
ينصر الله من يريد على الأعداء، لأنه الفعّال لما يريد، والحكيم في إرادته، والقويّ الذي لا يغلب، المنتقم من أعدائه، الرّحيم بعباده المؤمنين.
ذلك وعد حقّ من الله تعالى، وخبر صدق واقع، والله لا يخلف الميعاد، ولا بدّ من وقوعه، لأن في سنّة الله تعالى أن ينصر أقرب الفريقين المتقاتلين إلى الحق، إلّا أن يكون ذلك محنة وابتلاء لفئة بفئة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون بحكم الله وأفعاله القائمة على العدل والحكمة، لجهلهم بالسّنن الجارية في الكون، كما قال الله تعالى:
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [الأحزاب: ٣٣/ ٣٨] سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب: ٣٣/ ٦٢].
وعلم الناس، وبخاصة الكفرة الذين لا يعلمون أمر الله وصدق وعده: علم ظاهري بأحوال الدنيا وعلومها المادّية، كتدبير: شؤون المعيشة، واكتساب الأموال من مصادر الثروة المتعددة، من زراعة أو صناعة أو تجارة، أو مهنة حرة أو خدمة ونحوها. وهم مشغولون بعلومهم هذه، لا ينظرون إلى المستقبل، وهم في غفلة تامة أو شبه تامة عن شؤون الآخرة، وما فيها من خوالد الأشياء، ودوام المصير.
هذا الخبر الغيبي له مغزاه وهدفه في تاريخ الدعوة الإسلامية، فلقد ترجّى النّبي صلّى الله عليه وسلم ظهور دينه وانتشار دعوته، وامتداد تطبيق شريعة الله عزّ وجلّ التي أرسله الله بها، وتغلّبه على الأمم والشعوب التي تدين بدين غير سماوي، وتبدّد آمال كفار مكّة بأن يرمي الله نبيّه بملك يستأصل وجوده، ويريحهم منه، ولكن خسر هنالك المبطلون.