وبعبارة أخرى: إنكم أيها الناس إذا كان لكم عبيد تملكونهم، فإنهم لا تشركونهم في أموالكم ولا في أموركم، وليس من شأنكم السماح لهم في إرث أموالكم أو مقاسمتهم إياها في حياتكم، فإذا كان هذا فيكم في علاقتكم بعبيدكم، فكيف تقولون: إن من عبيد الله وملكه شركاء في سلطانه وألوهيته، وتثبتون لربّكم ما لا يليق عندكم بأتباعكم؟ إن مثل هذا التفصيل والبيان لإلزام الحجة، نفصّل الآيات ونوضّحها لقوم يفكّرون في عقولهم تفكيرا سويّا، ويتأمّلون فيما يقال لهم من الأدلّة والبراهين المنطقية.
والواقع أنكم أيها المشركون لا تفكّرون تفكيرا صحيحا، وإنما تسيرون مع الأهواء والأساطير، ليس لكم حجة فيما فعلتم من جعل الأصنام شركاء مع الله تعالى، بل اتّبعتم أهواءكم جهالة وشهوة، وقصدا لتحقيق مصالح دنيوية، وسرتم في عبادة الأوثان، من غير عقل ولا وعي، ولا هدى ولا بصيرة.
وحيث بقيتم مصرّين على الشّرك، ولم تفكّروا في ترك عبادة ما لا يضرّ ولا ينفع، فإنكم تستحقّون التوبيخ والتهديد بالعقاب، ولا أمل في هدايتكم إذا تركتم هداية الله لكم، ومن الذي يرشدكم إلى الحق، ويهديكم إلى الخير والسداد وصحة الاعتقاد، إذا أمعنتم في الضلال، واخترتم الكفر على الإيمان؟ وزادكم الله ضلالا على ضلالكم الذي اخترتموه منهاجا لكم، واعتمدتم على أنفسكم، فإنكم تستحقون العذاب، ولا يكون لكم حينئذ ناصر ينصركم من بأس الله وعذابه، لأن الله أعذر حين أنذركم. وعدله يقتضي التسوية بين أهل الضّلال، كالتسوية بين أهل الإيمان، والتفرقة بين الفريقين.
إن هذه الآية المبدوءة بكلمة بَلِ اتَّبَعَ هو إضراب عما يتضمّنه معنى الآية الأولى، كأن الله يقول: لا حجة ولا معذرة لعبدة الأصنام في نسبتهم الشريك لله،