وأشرفها، ويكون المراد بالآية: وجّه أيها النّبي نفسك وقلبك لعقيدة الإسلام واتّباع شرائعه، حنيفا، أي معتدلا مقوّما مائلا عن جميع الأديان المحرّفة المنسوخة، والزم أو اتّبع فطرة الله تعالى، أي خلقة الله، أو افتطر بفطرة الله التي فطر، أي خلق وأبدع وسوى جميع الناس عليها، حيث خلقهم على ملّة التوحيد، وأن الله واحد لا شريك له، في قرارة كل إنسان، وتحوّل تحوّلا تامّا عن جميع الملل والأديان الباطلة، إلى الدين الحق والملّة القويمة، والفطرة: هي الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل المعدّة أو المهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربّه جلّ وعلا، ويعرف شرائعه، ويؤمن به، وهذا خطاب للنّبي صلّى الله عليه وسلم ولأمّته، وهو يدلّ على أن كل إنسان مخلوق على التوحيد والإقرار بوجود الله ووحدانيته، ولكن تعرض له العوارض، فيزيغ عن سنن الفطرة، وذلك كما
قال النّبي صلّى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كمثل البهيمة، تنتح البهيمة هل ترى فيها جدعاء».
أي مثله كمثل الشّاة تولد سليمة الحواس والأعضاء، لا مقطوعة الأذن أو الأنف.
ولا ينبغي لأحد أن يبدّل أو يغيّر فطرة الله، أي الخلقة الأصلية، وهذا خبر في معنى النّهي، أو الطلب، أي لا تبدّلوا خلق الله الأصلي ودينه بالشّرك، فتغيّروا الناس عن فطرتهم التي خلقهم عليها. وذلك المأمور به من اتّباع ملّة التوحيد والتمسّك بالشريعة المطهرة والفطرة السليمة: هو الدين المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف. غير أن أكثر الناس لا يعرفون ذلك حقّ المعرفة.
إنكم جميعا أيها الناس مطالبون باتّباع دين الله وتوحيده، خاشعين له، مقبلين عليه إقبالا تامّا، راجعين إليه رجوعا كاملا، وإنكم ملزمون بتقوى الله، أي العمل بأوامره واجتناب نواهيه أو معاصيه، وداوموا على إقامة الصلاة كاملة الأركان