حجة وبرهان من رسول أو كتاب ونحوه لإقرار ما تفعلون، والنطق والشهادة بما تشركون؟! وهذا استفهام إنكاري معناه: أنه لم يكن شيء من ذلك، فلم ينزل الله كتابا يقرّ الشّرك، ولا أرسل رسولا يدعو إليه، إنما هو اختراع منكم.
وفريق آخر كالمشركين من بعض المؤمنين أو الكافرين، وصفتهم: أنه إذا أنعم الله عليهم نعمة فرحوا بها وبطروا، وإذا أصابتهم شدة وبلاء، أيسوا وقنطوا من رحمة الله. وتعرّضهم للشدة إنما كان بسبب ما اقترفوا من الإثم، وما ارتكبوا من السيئات.
وقوله تعالى: بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ معناه أن الله يمتحن الناس عند ظهور المعاصي، فقد يصاب أحدهم بسوء، ويعفو الله عن كثير.
التّشابه قائم بين حال الفريقين أو الفئتين، المشركون يتعرّضون للرحمة ثم للشّدة، فلهم في الحالة الأولى تضرّع وإنابة، ثم إشراك، ولهم في الحالة الثانية فرح وبطر، ثم قنوط ويأس، وكل إنسان يأخذ من هذا الخلق بقسط، فمنهم المقلّ ومنهم المكثر، إلا من غمر الإيمان قلبه، وتأدّب بأدب الله تعالى، فصبر عند البلاء والضّرّاء، وسكن عند السّراء، ولم يبطر عند النعمة، ولم يقنط عند الابتلاء. والقنوط: اليأس.
ثم ذكر الله تعالى طريق التّخلّص من اليأس من رحمة الله على كل حال، وهو أن يعلم كل إنسان أن الله تعالى يخصّ من شاء من عباده ببسط الرزق، ويحجب أو يقتر الرزق عمن يشاء، للاختبار أو الابتلاء، ان في الحالين حال سعة الرزق وحال تقتير الرزق لأدلة وعلامات على الإيمان الصادق، فالمؤمن الصحيح الإيمان يشكر عند الرخاء، ويصبر عند البلاء، ولا يتغير في الحالين عن الإقبال على ربّه وعبادته بصدق وإخلاص.