أبوه، ليتعرف أحوالها، ويستعرضها، كالاستعراضات العسكرية اليوم، فقال سليمان: لقد أحببت هذه الخيل وآثرتها على غيرها حبا حصل بذكر الله وأمره، لا بهواي وشغفي، فكانت تركض حتى تغيب عني بسبب الغبار وبعد المسافة. وقوله:
إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ معناه: أحببت هذه الخيل حبّ الخير، أو آثرت محبتها «١».
ومواراتها بالحجاب: بعدها عنه. والمراد: أن حبه للخيل لم يكن إلا امتثالا لأمر الله بربط الخيل لتكون عدة الجهاد في سبيل الله، وتقوية دينه، ونشره بين الناس.
والخير عند بعضهم: هو الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي. والظاهر أن المراد بالخير: هو المال، لكثرة استعماله في المال عند العرب. وقال أبو حيان: الخير عند العرب تسمى الخيل.
والخلاصة أو المراد: أحببت الجياد الصافنات أو عرضها حبا مثل حب الخير، منيبا لذلك عن ذكر ربي، وليس المراد بالخير هو الخيل فقط.
ثم أعاد سليمان عليه السّلام عرض الصافنات أمامه، فقال: أعيدوا هذه الخيل إلي، فلما عادت جعل يمسح بيده سيقانها وأعناقها ونواصيها، تشريفا لها وتكريما وتدليلا، ومحنة لها، وسرورا بها. وطفق: معناه دام يفعل. ولا يصح القول بأن عرضها عليه ألهاه عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، أو أنه قطّع قوائم الخيل بالسيف، فذلك من الإسرائيليات. وإنما المراد: اختباره بمحبّة الخيل حبا شديدا، لمعرفة مدى تواضعه والبعد عن الاغترار، واشتغاله بالعرض والندم عليه.
والواقعة الثانية: إلقاؤه جسدا على كرسيه: والمعنى: تالله لقد اختبرنا سليمان عليه السّلام باختبار آخر، وهو كما قال الرازي الفتنة في جسده، حيث ابتلاه الله

(١) وعلى التأويل الأول يكون (حب) منصوبا على المصدر، وعلى التأويل الثاني بتضمين الفعل معنى آثرت.


الصفحة التالية
Icon