أولا- إن الله تعالى خلق أبا الإنسانية الأول آدم عليه السّلام من التراب، وجعل ذريته أيضا من تراب، لأن كل مخلوق من المني ناشئ من الدم، والدم من الغذاء، والغذاء من النبات، والنبات من الماء والتراب، فكان كل إنسان متكونا من التراب، ثم تكاثر النوع الإنساني بما هو معروف من النطفة المنوية، ثم من العلقة (قطعة الدم المتماسكة) ثم من المضغة (قطعة اللحم المتجمدة) ثم ينفخ فيها الروح، ويتم ولادة الأطفال، ثم يبلغ الولد مرحلة النضج واكتمال العقل والقوة: وهي بلوغ الأشدّ، ثم الصيرورة إلى مرحلة الشيخوخة والهرم، وقد يتوفى الله بعض الناس قبل مرحلة الشيخوخة، إما في الكهولة أو الشباب أو الطفولة، وكل هذه المراحل ليتوصل كل إنسان إلى أجله المحدود المقدّر له: وهو وقت الموت، ثم وقت القيامة، ولعلكم أيها الناس تفكرون في هذه المراحل، وتدركون ما تتطلبه كل مرحلة من عناية إلهية.
وقوله تعالى بعد سرد مراحل أو أطوار الخلق الإنساني: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى يراد به: هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة من الله، ليبلغ كل واحد منها أجلا مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه، وليكون معتبرا متعظا، ولعلكم أيها البشر تعقلون الحقائق إذا نظرتم في هذا، وتدبرتم حكمة الله فيه، ففي هذا الانتقال والتدرج أو التطور في الخلق دلالة على وجود الله تعالى.
ثانيا- أي الدليل الثاني- أن الله هو القادر على الإحياء والإماتة، فالله وحده هو الذي يحيي المخلوقات ويميتها، وهو المتفرد بذلك، فإذا قضى وقدر أمرا يريد إنفاذه وإيجاده، وإخراج المخلوق من العدم، فإنما يقول له كُنْ فيكون ويوجد، من غير توقف على شيء آخر، ولا معاناة ولا كلفة، أي إن كل مخلوق يوجد بإرادة الله وحده، مما يدل على وجوده سبحانه.


الصفحة التالية
Icon