وكذلك يعلم الله تعالى الثمار وخروجها من الأكمام (الأوعية) ووقت ظهورها تماما، ويعلم ما تحمل الإناث ووقت الحمل والوضع، وذلك أورده الله على سبيل المثال لجميع الأشياء، إذ كل شيء خفي، فهو في حكم هذين الشيئين. وهذا كله مجهول، لا يعلم به أقرب الناس من هذه الأشياء كالمزارع والزوج أو الأنثى. وما قد يقال: إنما هو من محض التخمين، لا من باب العلم بيقين.
ثم رد الله تعالى على المشركين لإبطال شركهم، فاذكر أيها الرسول يوم ينادي الله تعالى المشركين، في يوم القيامة، قائلا على سبيل التوبيخ والتهكم والتحدي: أين شركائي الذين كنتم تزعمون من الأصنام وغيرها، فادعوهم الآن للشفاعة بكم أو دفع العذاب عنكم؟ فيجيب هؤلاء المعبودون بغير حق: لقد أخبرناك وأعلمناك أن ليس أحد منا يشهد اليوم أن معك يا رب شريكا، ونحن لا نشاهدهم أمامنا، بل ضلوا واختفوا عنا، وذهبت تلك المعبودات من الأصنام وغيرها محتجبة في آفاق الغيبة عن العيون، وقد كانوا يعبدونهم في الدنيا، وتيقنوا الآن ألا مهرب لهم ولا ملجأ من عذاب الله. وهذا وعيد وتهديد. وقد استعمل الظن هنا مكان اليقين: وهو كل موضع علم علما قويا وتقرر في النفس ولم يلتبس بشيء.
ثم نزلت الآيات الآتية في بعض كفار مكة، كالوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة، ومضمونها: أن أولها يتضمن خلقا «١» ربما شارك فيها بعض المؤمنين: وهو أنه لا يمل الإنسان من طلب الخير من ربه، كالمال والصحة والرفعة ونحوها، وإن أصابه الشر من بلاء وشدة، أو فقر أو مرض، كان شديد اليأس والقنوط من رحمة الله، وهذه الصفة الأخيرة (اليأس) من صفة الكافر وحده، والصفة الأولى (طلب الخير في الدنيا) صفة مشتركة، فأما خير الآخرة فهو للمؤمنين.

(١) الخلق: مؤنثة، لأنها حال راسخة للنفس.


الصفحة التالية
Icon