وأطاعوه فيما أمرهم به، وكذبوا موسى ورسالته فكانوا فاسقين، أي خارجين عن طاعة الله تعالى.
فلما أسخطوا الله، وأغضبوه بالتمادي في الضلال والعناد، انتقم الله منهم انتقاما شديدا، بالإغراق جميعا في البحر، وكان الإغراق مناسبا لتفاخرهم وتباهيهم واغترارهم. وإغضاب الله تعالى: هو أن تعمل الأعمال الخبيثة التي تظهر من أجلها أفعاله الدالة على إرادة السوء بمن شاء.
وبذلك جعلهم الله قدوة لمن عمل بعملهم من الكافرين، في استحقاق العذاب، وعبرة وعظة لمن يأتي بعدهم من الكفار. والسلف: هو الفارط من الأمم، المتقدم لهم، أي جعلناهم متقدمين للأمم الكافرة عظة ومثلا لهم، يعتبرون بهم، أو يقعون فيما وقعوا فيه.
الاعتبار بقصة عيسى عليه السّلام
ضرب الله تعالى الأمثال بالأقوام أحيانا، وبأشخاص الأنبياء وسيرتهم أحيانا أخرى، وذلك إما من أجل تبيان أصول العقيدة، أو للإفادة من منهج حياة الإنسان، في مسيرة الأجيال وعلى ممر الزمان، وكان خلق عيسى عليه السّلام من غير أب، مثار تعجب واستغراب، وهو في الواقع لا يختلف عن خلق آدم بلا أب ولا أم، كما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ.. [آل عمران: ٣/ ٥٩]، وكان عند جماعة سببا للمبالغة المفرطة.
أخرج الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لقريش: إنه ليس أحد يعبد من دون الله، وفيه خير، فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان نبيا، وعبدا صالحا، وقد عبد من دون الله؟ فأنزل الله هذه الآية وما بعدها:


الصفحة التالية
Icon