هي إلا الموتة الأولى التي نموتها في الدنيا، ولا حياة ولا بعث بعدها. وإن كنتم أيها المسلمون صادقين في ادعاء البعث، فأعيدوا إلينا آباءنا إلى الدنيا بعد قوتهم، لنسألهم عما رأوا في آخرتهم. وهذه حجة واهية، لأن البعث ليس الآن، وإنما في يوم القيامة.
فرد الله تعالى عليهم مهددا، ومنذرا، ومتوعدا بالعقاب:
أهم، أي كفار قريش من عدنان خير في القوة والمنعة، أم قوم تبّع الحميري من قحطان، الذين كانوا أقوى جندا وأعز مكانا؟ وكذلك الأمم السابقة كعاد وثمود ونحوهم، أهلكناهم جميعا لكفرهم وإجرامهم، فإهلاك من دونهم أيسر وأقرب. وتبّع المشار إليه في هذه الآية: رجل صالح من التبابعة، ذم الله تعالى قومه، ولم يذمّه ونهى العلماء عن سبّه.
والدليل على قدرة الله تعالى الشاملة والعظمى: خلق السماوات والأرض، فلم يخلق الله السماوات والأرض وما بينهما، عبثا ولعبا، وباطلا ولهوا، وإنما بإبداع لا نظير له. وما خلقهما الله إلا خلقا ملازما للحق ولإظهاره وهو الاستدلال على وجود الخالق ووحدانيته، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون ذلك، لقلة نظرهم، وضعف وعيهم، فمن أبدع ذلك، أليس قادرا على إمكانه إعادة الخلق؟! إن يوم القيامة الذي يفصل الله فيه بين الخلائق: هو موعد جمعهم، ووقت حسابهم وجزائهم جميعا، إنه يوم لا ينفع قريب قريبا، ولا ناصر منصورا، ولا يدفع عنه شيئا من العذاب أو الإغناء، فلا يفيد المؤمن الكافر، ولا ينتصرون من أحد، لكن من رحمه الله، فإنه ينتصر وينجو، فإن الله هو القوي الغالب القاهر الذي لا يفلت أحد معتد من عذابه.
وسيلقى المشركون منكرو البعث كلّ ألوان العذاب والمهانة، فإن طعامهم هو طعام الآثمين قولا وفعلا: وهو شجرة الزقوم الشديدة المرار، والذي لا يشبع.


الصفحة التالية
Icon