وقوله: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ معناه: أنكم جميعا معشر الخلائق ترجعون إلى قضائه وحكمه. إن هذا البيان الإلهي أجمع بيان، وأوجزه، وأكثره عظة وعبرة، ومعذرة ونفعا، فجزاء العمل الصالح حقّ وعدل، وجزاء العمل السيئ حقّ وعدل أيضا، والميزان ميزان التمايز بالأعمال التي يفعلها الإنسان باختياره وإرادته، فيسأل عنها على النحو الصادر منه.
نعمة الشرائع
الشريعة الإلهية: هي النظام الأمثل للحياة البشرية في جميع أنحائها ومشتملاتها، تحقق الحاجة والمصلحة، وترعى الضعيف، وتنصف المظلوم، وتقيم العدل، وتضمن للقائم بها عز الدنيا، وسعادة الآخرة، وكان لبني إسرائيل شريعة في التوراة، لكنها اندثرت وضاعت، واختلفوا فيها بغيا وعدوانا، ثم ختمت الشرائع بشريعة خاتم النبيين، ليلزم بها جميع الناس، فهي عين البصيرة والحق، والهداية، والرحمة الشاملة، وليس من المعقول، ولا من مقتضى العدالة أن يتساوى المحسن والمسيء، والصالح والفاجر، والسعيد والشقي. وهذا ما أوضحته الآيات الكريمة:
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٦ الى ٢٢]
وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢)
«١» «٢» «٣» «٤»
(٢) تظالما بينهم.
(٣) أي أنصار وأعوان. [.....]
(٤) أي نصير المؤمنين.