ثم ذكّر الله تعالى هذا المعرض عن الإسلام بأن المسؤولية شخصية، فقال: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ أي بل أإنه لم يخبر بما في أسفار التوراة، وصحف إبراهيم الذي أكمل ما أمر به، وأدى الرسالة على الوجه الأكمل: أنه لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، فكل نفس ارتكبت جرما من كفر أو ذنب، فعليها وحدها وزرها، لا يحمله عنها أحد. وهو مبدأ المسؤولية الشخصية التي هي من مفاخر الإسلام.
وأنه ليس للإنسان إلا أجر سعيه وجزاء عمله، فلا يستحق أجرا عن عمل لم يعمله، وهو مبدأ كون الجزاء مرتبطا بالعمل، وهذا متمم للمبدأ السابق، فكما لا يتحمل أحد مسئولية غيره، كذلك ليس له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه، والمراد بيان ثواب الأعمال الصالحة وكل عمل، فالخير مثاب عليه، والشر معاقب عليه.
وأن سعي الإنسان أو عمله محفوظ، يجده في ميزانه لا يضيع منه شيء ويدخره الله له بصفته وسيلة إثبات وإشادة، ولوم للمقصرين، وقوله فَهُوَ يَرى أن يراه الله تعالى ومن شاهد الأمر. وفي عرض الأعمال على الجميع تشريف للمحسنين، وتوبيخ للمسيئين. ثم يجزي الله هذا الإنسان جزاء كاملا غير منقوص، فيجازي بالسيئة مثلها، وبالحسنة عشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء. وهذا وعيد للكافرين، ووعد للمؤمنين.
من مظاهر القدرة الإلهية
تعددت مظاهر القدرة الإلهية في الكون والإنسان والحياة، وتلك المظاهر تصدر عن حكمة إلهية بالغة، وسلطان عظيم شامل، وعدل كامل، ورحمة شاملة، فلا يكون عقاب إلا بعد إمهال، ولا عذاب إلا بعد إنذار، ولم يبق إلا اعتدال الإنسان ووعيه في مراعاة مصلحته واستحضاره عظمة ربه، والاتعاظ بالأمثال والعبر التي