ثم وبّخ الله تعالى الكفار المتهاونين في شأن القرآن، فقال: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ.. أي أبهذا القرآن الموصوف بالصفات الأربع السابقة أنتم متهاونون، يلاين بعضكم بعضا، ويتبعه في الكفر؟ وتجعلون شكر رزقكم من السماء: وهو المطر، أو من الأرض: وهو الزرع أنكم تكذبون بنعمة الله وبالبعث وبما دلّ عليه القرآن، فتضعون التكذيب موضع الشكر؟ وهذا توبيخ للقائلين في المطر: هذا بنوء كذا وكذا، كالأسد والجوزاء وغير ذلك.
وتوبيخ آخر للمشركين، فهلا إذا وصلت الروح الحلق حين الاحتضار، وأنتم ترون بالعين المحتضر قد قارب فراق الحياة، تنظرون إليه وما يكابده من سكرات الموت، ونحن بالعلم المحيط أقرب إليه منكم، ولكن لا تبصرون ملائكة الموت الذين يتولون قبض روحه. والمراد التأمّل والنظر في أن الله مالك كل شيء.
فهلا إن كنتم غير محاسبين أو غير مملوكين ولا مجزيين في عالم البعث والحساب، تمنعون موته وترجعون الروح التي بلغت الحلقوم (مجرى الطعام) إلى مقرّها الذي كانت فيه، إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم لن تبعثوا. وهذه الحال: هي نزاع المرء للموت. والمدين: المملوك في الأصح.
ومصائر الناس عند احتضارهم وبعد وفاتهم أصناف ثلاثة:
١- فأما إن كان المتوفى من السابقين المقرّبين: وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبّات، وتركوا المحرّمات والمكروهات وبعض المباحات، فلهم استراحة ورحمة وطمأنينة وهو الروح، ورزق حسن للبدن وهو الريحان أو الطيب، وجنة نعيم للروح والجسد، أي إن المرء من السابقين يلقى عند موته روحا (رحمة وسعة)، وريحانا (وهو الطّيب) وهو دليل النّعم، أو هو كل ما تنبسط إليه النفوس.